مهدي بن حمزة(معهد الصحافة وعلوم الاخبار) ربما لم تعد طرفة سياسية تلك التي يرددها بعض المفكرين العرب نقلا عن المسؤولين السياسيين الاسرائيليين والمفكرين الصهاينة والتي أصبحت شعارا ثابتا ومنهجا في حياة كل اسرائيلي ذلك الشعار القائل «أرضك يا اسرائيل من النيل إلى الفرات»، لقد أصبح من المؤكد أن هذه المقولة بدأت تتحول الى حقائق على أرض الواقع ولو بخطوات بطيئة يشرف على تنفيذها الموساد الاسرائيلي وأجهزة الهجرة والشركات والمؤسسات الاقتصادية والنفطية، اضافة الى واضعي ومنفذي السياسة الخارجية الاسرائيلية. ومن مظاهر الاختراق الصهيوني لهذا القطر العربي العظيم والهام اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا، محاولات الموساد الاسرائيلي ايجاد موطئ قدم له داخل العراق وذلك بمباركة أمريكية، فلقد كشفت مصادر استخبارتية تركية عن نشاطات واسعة يقوم بها هذا الجهاز الاستخباري في العراق حيث بدأ بفتح مكاتب سرية في العديد من المدن العراقية ومنها بغداد والموصل والسليمانية وأربيل، كما أن الموساد وحسب صحيفة «العدالة» الناطقة باسم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية يعمل على تأجير أو شراء فندق يكون قريبا من فندق بغداد الذي استأجرته وكالة الاستخبارات الأمريكية. وتاريخيا تعود جذور الجالية اليهودية في العراق الى طرد ألوف اليهود من القدس منذ حوالي 2500 سنة بعد أن استولى الملك البابلي نبوخذ نصر على المدينة وبقيت بابل لنحو ألف عام مركزا ثقافيا ودينيا ليهود العالم، لكن بعد إعلان انشاء الدولة العبرية في عام 1948 هاجر يهود العراق وبكثافة الى اسرائيل ولم يتبقّ منهم سوى 43 يهوديا حسب الاحصائيات الأخيرة، واليوم تحاول اسرائيل إحياء التاريخ وإعادة اليهود الى العراق وذلك من خلال شراء منازل وأراض عراقية، كما تعد اسرائيل قائمة بممتلكات اليهود الذين تركوا العراق لتقديمها الى بريطانيا والولايات المتحدة بغرض اعادة هذه الممتلكات التي تقدرها اسرائيل بنحو مليار دولار. ولا يخفى على أحد حجم المطامع الصهيونية الاقتصادية بالأساس تجاه العراق، فالعراق من أغنى الأقطار العربية اقتصاديا ونفطيا لذلك تسعى اسرائيل ومنذ سنوات للتآمر قصد امتصاص ثرواته واستنفاد طاقاته، وهذا لن يتحقق بالطبع إلا أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق فهي فرصة ذهبية سوف لن تعاد في التاريخ، لذلك تسعى أكبر الشركات الاسرائيلية للدخول في مشاريع إعادة إعمار العراق تحت مسميات أمريكية وغربية ومن أبرز هذه الشركات شركة سوليل بونيه التي تعمل في مجال المرافق والبنية الأساسية وشركة بازان التي تعمل في مجال تشغيل مصافي تكرير البترول هذا بالاضافة الى سعي اسرائيل الدؤوب من أجل اصلاح أنبوب حيفا الموصل الذي توقف بعد حرب 1948 ليعاود ضخّ نفطه الى الكيان الصهيوني. أفبعد كل هذه الحقائق والوقائع يظلّ لدى العرب ذرّة شك واحدة في حقيقة النوايا والأهداف الصهيونية؟ إن بداية هذا التواجد الصهيوني المبكر في أرض العراق المجيد يؤكد أن هذه الحرب الأخيرة شنّت في أغلبها من أجل مصلحة اسرائيل وحفاظا على أمنها واستقرارها وسط محيط عربي وإسلامي مفعم بالكراهية والحقد تجاه هذا الكيان الذي لم يتوانَ في يوم من الأيام عن استهداف كل ما هو عربي وإسلامي. إن اسرائيل تحلم ومنذ سنوات باليوم الذي ترى فيه العراق خاضعا للمخططات والإملاءات الصهيونية ليسهل بذلك اخضاع وتركيع العرب أجمعين، وقد تكون حققت البعض من أحلامها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، لكن هل ستتمكن اسرائيل من تحقيق أهدافها كاملة ومن بلوغ غاياتها القصوى؟ إن التحليل الواقعي والموضوعي لمجريات الأحداث في بلاد الرافدين يبيّن عكس ذلك فالمقاومة العراقية تشتدّ يوما بعد يوم وما تنفكّ تلحق الهزيمة تلو الأخرى بقوات التحالف وإذا ما استمرّت هذه المقاومة وعلى وتيرة متصاعدة فإن العراق سيتحول ومن حيث لم يرد المخططون الصهاينة الى نقطة ضعف تهدم المشروع الصهيوني في المنطقة. إن المقاومة العراقية هي الحل الأخير المتوفّر للعراقيين وهي شعلة الأمل الوحيدة في ظلمات الهزائم العربية.