بحلول فصل الصيف تتردد على مسامعنا أغنية تونسية تحتفي بالشاطئ والأجواء الصيفية، والجبة الاصيلة. فما حكاية الجبة التي تغنى بها الفنانون، ووضعها المسؤولون والمختصون في التراث في مقام اللباس الاكثر تعبيرا عن الهوية التاريخية والحضارية لشعبنا؟ وما هي أهم أنواعها، وأشكالها، ومميزاتها حسب الجهات والاستعمالات؟ وماذا عن خصائصها الجمالية والابداعية؟ منذ العهود الاسلامية الاولى، كانت الجبة زيّا عاما لبسه الناس من مختلف الفئات، والأعمار، والجهات، فهي بهذا الاعتبار لابد أن تكون قد اختلفت في شكلها، وأنواعها من بلد لآخر، تماشيا مع متطلبات الطبقات المتفاوتة ، والمجتمعات المتباينة، وهذا ما يعلل اختلاف الجبة التونسية عن مثيلاتها في أقطار المشرق، والمغرب، وبلدان المتوسط، كما اعتبرت الجبة لباسا ملازما لخطباء المساجد ورمزا للباس الرجالي الاصيل. والجبة عبارة عن ثوب فضفاض خارجي مغلق يكسو كامل البدن، كما يمكن ان يكون ضيقا وقماشه من الصوف، أو القطن أو غير ذلك من المنسوجات الغليظة او الرقيقة. والجبة لباس مخيط له جيب يفتح على الرقبة وفتحتان جانبيتان لاخراج الذراعين هما الكمان. وتتميز الجبة التونسية بطابع خاص بالمقارنة مع غيرها من الجباب في بلدان المشرق والمغرب العربي، وهي ذات خصوصيات أندلسية، أضفى عليها الصانع التونسي من ذوقه وخياله ما جعلها على الصفة المعروفة الآن، وقد اختص في خياطتها «البرانسية» الذين اتخذوا لانفسهم سوقا في المدينة العتيقة. **الحرير يفرض نفسه ويمكن اعتبار جبة الحرير أفخر انواع الجباب على الاطلاق، وهي جبة المناسبات الرسمية، والاحتفالات، والاعياد خاصة منها بيضاء اللون. والى جانب الجبة الحريرية البيضاء نذكر جبة الحرير «الخمري»، و»السواكي» المستعملتين للاحتفالات، والسهرات والمناسبات العائلية. وعادة ما ترتدي جبة الحرير على كسوة حريرية من صنع محلي ذات لون موحد او من الحرير المستورد كالقرمسود، أو أي كسوة نصف فصلية تتماشى مع نوعية هذه الجبة. أما جبة القرمسود فهي من الحرير المستورد من الهند ومصر والشام، يحاك نسيجه من أغلب الالوان الممكنة، مظهره متموج في استرسال، وتتابع، ويقع ارتداء هذه الجبة في المناسبات والاحتفالات العائلية والاعياد، وتلبس عادة في الربيع والخريف على كسوة من نفس النسيج أو في قماش يتماشى مع الفصلين المذكورين، مع مراعاة تناسق الالوان لكامل الزي. وهناك أنواع اخرى للجبة التونسية نذكر بعضها على سبيل الافادة. جبة مقردش: قماشها مزيج من الحرير والصوف بشكل أضلاع حريرية وصوفية متناوبة متتالية تقع حياكته على النول اليدوي التقليدي بجهة توزر بالجنوب التونسي. أما الكسوة المناسبة لها فهي من الحرير او اي كسوة نصف فصلية اخرى تتماشى مع طبيعة الفصل والطقس. جبة استكرودة: جبة من الحرير المحاك على هيئته الاصلية بلونه الاصفر الطبيعي، وهو مدلول تسميته باستكرودة الكلمة الايطالية الدخيلة التي لا علاقة لها بهيئة الجبة وشكلها «Seta Cruda»، وهي جبة تستعمل في فصلي الربيع والخريف. جبة قمراية: ينسج قماشها من الكتان ويستورد عادة من أوروبا خاصة «أنقلترا». وتلبس البيضاء منها في المناسبات والاحتفالات والسهرات العائلية. أما غير الابيض منها كالجوهري والرمادي، فهي اللباس اليومي لفصل الصيف. * جبة الملف: الملف نسيج من الصوف الصرف المستورد من بلدان الشرق او اوروبا، وتخاط جبة الملف في الالوان: الاخضر، والازرق والرمادي، ويكون حرجها من الحرير الطبيعي او الاصطناعي «توبار». * جبة صوف: تسمى جبة صوف «طرشة» او «صادة»، والبيضاء منها تسمى أيضا جبة جريدي، ويكون نسيجها من الصوف الصرف، وتقع حياكته على النول التقليدي بجهة الجريد في الجنوب التونسي. جبة حربلة: قماشها في الاصل من القطن لكنها اصبحت فيما بعد من الحرير الاصطناعي المعروف بحرير «اللوح»، كما يمكن أن يكون قماشها خليطا من القطن ومادة «البوليستار»، وهو قماش اصطناعي مستحدث يصبغ بعديد الالوان الممكنة بصفة موحدة او في شكل اعمدة. جبة قماش: يتم اعدادها من الاقمشة الحديثة الموجودة بالاسواق، شتوية كانت ام صيفية او نصف فصلية وفي مختلف الألوان المختارة، وهي من اللباس اليومي ولها حرج بسيط. أما كسوتها فتكون من نفس قماش الجبة أو من قماش آخر مناسب. وللجبة أنواع مختلفة من «الحرج» تحلى به، فيضفي عليها زينتها وجمالها، وهو مجال لابداع الحرفي وابتكاره وتفننه في العمل، ويتجلى ذلك خاصة في «البونتة» و»قرض» الجبة، بحيث يمكنه ان يبتكر الحرج في جبة ما ولا يكرره في جنة أخرى.