في قناة «العربية» برنامج يقدم مساء كل اثنين تحت عنوان «من العراق» ويعده شخص يدعى ايلي ناكوزي ... البرنامج موغل في الحقد وفي تصريف الاحقاد والسموم على نظام الرئيس صدام حسين وعلى فترة حكمه الى درجة اننا ننصح صاحب هذا البرنامج بتحويل التسمية الى «احقاد وسموم من العراق» ليلتصق الاسم بالمسمى والمظهر بالجوهر. ايلي هذا، واسمه مثار لكل الشبهات، تخصص منذ شهور طويلة في كشف «اسرار» تأتيه دوما جاهزة طازجة على اطباق استخباراتية واضح انها خارجة لتوّها من الغرف المظلمة للمخابرات الصهيونية والامريكية والغربية وهي في جلّها فبركة ودسائس الهدف منه تبرير العدوان ثم الترويج للاحتلال وتجميله وتجريم المقاومة والتطبيل لما يسمى «العراق الجديد» وان كنا لم نر فيه إلا الجواسيس والخونة والعملاء يرتعون ويتفنّنون في بيع العراق وتركيعه تحت جنازير الدبابات الامريكية. ولأن هذا الشخص اختص في تصريف الاسرار اياها، لسنا ندري تطوعا (أم ماذا؟) فإنه يتفنّن في تجيير صوته و»ملكاته الصحفية» في النبش والترويج لما يعتبره «أخطاء وجرائم» العهد السابق في العراق وكذلك في التحريض على كل قيمة مضيئة في العراق.... ولأنه تورط في النقل والغى ملكات العقل فقد باتت بضاعته الفاسدة ترتد على حلفائه واولياء نعمته وتنقلب بردا وسلاما على العراق النقي، عراق الشرف والوطنية والقيم العربية... وقد كانت حصة اول امس الاثنين خير تجسيد لما نقول... فقد تطوّع في حصته التي خصصها لمتابعة محاكمة الرئيس صدام باستضافة رئيس الوزراء (شخصيا) ووزير عدله علاوة على المدعو سالم الجلبي القاضي الذي حقق مع الرئيس صدام والذي بقدرة قادر اعتذر عن المشاركة في آخر لحظة. ما يعنينا من المقابلتين اللتين بثهما مع رئيس الوزراء ووزير العدل هو حجم الاكاذيب والمضحكات المبكيات التي تم ترويجها وسوف نقتصر منها على نموذجين: الاول جاء في تصريح لرئيس الوزراء وأكّد فيه أن العراق اصبح حرّا وانه لا وجود لقوات احتلال في العراق متبجحا بأن القوات الامريكية وقوامها اكثر من 140 ألف رجل هي قوات متعددة الجنسيات... وأمام هذا المنطق الاعرج والاعوج والذي لا يصدقه صاحب بصر وبصيرة فإن أمامه احد احتمالين: اما تصديق منطق النعامة حين تخفي رأسها في الرمل حتى لا ترى الخطر وتوهم نفسها بعدم وجودها أو أن نعيد الروح الى فرق التفتيش التابعة الى السيد هانس بليكس على أن تكون مهمتها هذه المرة البحث والتفتيش عن قوات الاحتلال الامريكية وما الذي تغيّر فيها وفي عدتها وعتادها لتصبح قوات متعددة الجنسيات وكيف تبخّرت عنها صفة الاحتلال بين عشية وضحاها لتصبح قوات ضيفة! أما الثاني وهو يشكل قمة المهزلة فقد مثله تصريح وزير العدل (مالك دوهان حسن) في رده على سؤال متعلق بكيفية تعيين القاضي واختيار المحققين مع الرئيس صدام... فقد قال بالحرف انه «لما استلم الوزارة وجد أن سلك القضاة قد فصل منها بالكامل» وانه «لم يعد يعرف الجهة المكلفة بملف القضاء والقضاة»... فهل بعد هذه المفارقة مفارقة؟ وهل توجد وزارة عدل في العالم لا يدخل القضاة في مشمولاتها؟ وإذا كانت هذه الوزارة تستمد تسميتها من اقامة العدل والقسطاس بين الناس فلماذا تبقى وماذا يبقى لها اذا فصل عنها سلك القضاة؟ ألم نقل ان المكر السيء للمدعو «ايلي» قد حاق به وبأصحابه وبأن بضاعته الحقيرة ارتدت عليه وعلى اولياء نعمته؟ فأي «عراق جديد» هذا الذي «تتبخر» فيه آلة حربية قوامها 140 جندي احتلال بعتادهم ومعداتهم؟ وأي «عراق ديمقراطي» هذا الذي يفصل فيه سلك القضاة عن وزارة العدل ولا يعرف فيه وزير العدل من يعيّن القضاة ومن يفصلهم؟ ما العمل اذا كان العراق صادقا... وكانوا كاذبين؟! يوم أمس سدّد «التحالف الامريكي البريطاني» ضربتين موجعتين الى نفسه ليزيد بذلك في تعرية الوجه القبيح للحرب الظالمة التي شنت على العراق بدون غطاء شرعي ولا سند اخلاقي... الضربة الاولى، وهي تأتي في سياق عشرات الضربات ا لسابقة التي وجهها مسؤولون (امريكيون) جاءت بيد وكالة المخابرات المركزية الامريكية حيث اكد تقرير اعدته ال «سي .اي. اي» خلو العراق من أية اسلحة للدمار الشامل... وزاد التقرير في محاولة مكشوفة لانقاذ الرئيس بوش وتدعيم حظوظه في السباق الى الرئاسية من خلال تحييده عن هذه الفضيحة التي ادت الى تدمير دولة واحتلال بلد وتحطيم مستقبل شعب، بأن الوكالة اخفت التقرير عن الرئيس بوش الذي يكون هكذا وبكل بساطة قد ذهب الى الحرب على العراق بناء على معطيات مغلوطة قدّمت له وتقول بامتلاك العراق اسلحة محظورة في حين حجبت عنه المعطيات الصحيحة التي تؤكد خلو العراق من هذه الاسلحة... ووفق هذا التقرير فإنه لم يبق الا أن يتقدم الشعب العراقي الذي دمر وأعيد فعليا الى العصر الحجري ببرقية تعاطف مع الرئيس بوش الذي تعرّض لهذه الخدعة وبرقية شكر ل «تواضعه» وارسال قواته لاحتلال العراق بناء على معطيات مغلوطة!! أما الضربة الثانية فقد جاءت بيد السيد توني بلير الذي اكد بعظمة لسانه أن أسلحة الدمار الشامل العراقية قد لا يعثر عليها الى الأبد... لكنه تعمد المراوغة كالعادة مختفيا وراء احتمال انها قد تكون سرقت او اتلفت او تم اخفاؤها، متهرّبا من التسليم بالحقيقة الماثلة امام العيان والمتمثلة في عدم العثور على هذه الاسلحة لانها ببساطة لم تكن موجودة كما كان يؤكد ذلك نظام صدام وهو ما لم يصدقه السيد بلير ووصل به الامر حدّ لاعتماد في تقارير مخابراته في مسألة جوهرية وحيوية لمستقبل شعب وأمة على بحث طالب جامعي... وحد الهراء في التقرير المقدم في سبتمبر 2002 بأن العراق قادر على تجهيز سلاح للدمار الشامل في ظرف 45 دقيقة فقط... هذا دون الحديث عن قصة «المخابر العراقية المتنقلة» والتي يستخدمها صدام لصنع اسلحة محظورة بعيدا عن عيون المفتشين والتي استخدمتها كلها ادارة بوش ذريعة لتنفيذ العدوان على العراق بكل تداعياته ونتائجه الكارثية التي حلّت به بلدا وشعبا وحاضرا ومستقبلا. ما العمل اذن إذا كانت وكالة المخابرات الامريكية تقر هي الاخرى بالكذب والمغالطة لتبرير غزو العراق واحتلاله؟ وما العمل إذا كان السيد بلير والذي لعب دورا محرّضا ومحددا ضد العراق يعترف بخلو العراق من اسلحة الدمار الشامل؟ وما العمل اذا كان العدوان قد شنّ بلا سند قانوني لهثا وراء هذه الخدعة الكبرى التي ثبت زيفها وبطلانها؟ وماذا يقول مجلس الامن وماذا تقول الشرعية الدولية وماذا يقول ضمير العالم ازاء هذه الاعترافات المفصّلة والتي تعد أدلّة ادانة للغزو والاحتلال باعتبار الاعتراف سيّد الادلة؟ ثم ماذا تنفع العراق هذه الاعترافات وكل كلمات الندم الغارقة في حلوق الساسة الامريكيين والبريطانيين؟ هل تكفي كلها لاعادة عجلة الزمن الى الوراء واعادة العراق الى سالف عافيته وسالف استقراره؟ وهل تعوّض عن حجم الدم الذي سال والدمار الذي حدث؟ وهل تنهي عملية السطو الدولية التي حدثت على بلد التزم الصدق وشعب آمن؟ وهل يملك احدهم الجرأة ليقول ان صدام كان صادقا وامينا في كل ما قاله وان كل حمّالة الحطب كاذبون؟ مجرّد اسئلة تطرح نفسها انطلاقا من هذه الاعترافات والحقائق!