كثيرة هي المشاكل التي تملأ عالم صناعة الكتاب، ومختلفة، وأظن أني كنت أكثر الناشرين تأثرا بها وتضررا. وعييت وأنا أراسل المسؤولين لأخبر عنها وعني، إذ كلما كانت تزيد كنت أنقص. وإني أرجو أن تنقص هي وتمحي حتى أزيد وأثقل، بانتاجاتي ومساهماتي في دفع وتيرة الاقتصاد. ولا أستطيع أن أخفي ارتياحي لهذه الاستشارة الوطنية متمنيا ان تفضي الى شيء ايجابي ينقذني وينقذنا من البركة الآسنة، وكل ما كتبته، رأي لي في هذه الاستشارة حول الكتاب، هو مع واقع تجربتي الخاصة، وقد طرحته أبوابا ليسهل النظر .باب الناشرين الخواص سنبدأ بهذا التساؤل: المعروف في كل الدول أن هناك ناشرا عموميا، الذي هو الدولة. وناشرا خاصا، الذي ينتج في إطار مؤسسته الخاصة. فإذا كانت سلطة الاشراف تصبغ على المؤلفين الذين يتجهون مباشرة الى المطبعة صفة ناشر خاص، وتعطيهم رقما تداوليا code978، فمن نحن؟ هؤلاء ليست لهم تراخيص، وبالتالي ليست لهم صفة قانونية للتواجد التجاري. فإن أمكن لهم ان يتجهوا مباشرة الى المطبعة لتجهيز مصنّفاتهم، فكيف يمكنهم قانونيا ان يوزعوها في أسواق ليسوا طرفا تجاريا / شرعيا فيها. والغريب ان أكثر الذي يمرّرونه، إن لم نقل كله، هو لفائدة الدولة: وزارة الثقافة، وزارة التربية، مؤسساتهما الجهوية... والبعض يجوّز ذلك باسم الحرية. ان الحرية تكون بين ناشرين في أن ينتج كلاهما ما يريد. ويتواجد كلاهما بحرية ومساواة في السوق. أما أن يساوي تجاريا بين صاحب مؤسسة ومواطن عادي، فهذا لم نره أبدا.وما هو الا تشريع للفوضى وتكريس لها. ونحن نلتمس من سلطة الاشراف ومن جميع الأطراف ما يلي: 1 العمل على التفريق بين الناشر بصفته الطرف التجاري وبين المبدع / المؤلف بصفته الطرف غير تجاري ولا يحق له أن يمارس نشاطا هو ليس طرفا شرعيا / قانونيا فيه. لأن السماح لهذه الكائنات الطفيلية بالتواجد يضيّق على الكائنات الطبيعية ويقتلها. 2 لأن ما يسمّى ب «ناشرين خواص« ليسوا طرفا تجاريا، فلا يمكن التعامل معهم تجاريا. وندعو جميع الأطراف كوزارتي الثقافة والتربية ومؤسساتهما الجهوية الى الامتناع عن التعامل معهم.وإن ذلك لن يمنع الاستفادة من ابداعاتهم، ولكن يجب ان تكون مارة عبر جهة تجارية كالناشر او الموزع. 3 لأن ما يسمّى ب «ناشرين خواص» ليسوا في الأصل طرفا تجاريا، فلا يمكن ان يكونوا أحرارا في تحديد سعر البيع للعموم. فهم ينتجون المصنّف ب 3د مثلا ويبيعونه ب 10د (في حين أن الناشر العادي يبيعه بحوالي 4د). ويكون تحديد السعر على أساس جملة التكاليف زائد الضريبة 18٪ زائد هامش ربح بسيط لا يتجاوز 5٪ لأن صاحب المصنّف كما ذكرنا ليس تاجرا. وهذا ربما يكون من مزاياه عرض بعض الكتب بأسعار غير باهظة. 4 هناك مثال بسيط في محيطنا: حتى يمكن للبلديات أن تتصدّى لظاهرة البناء الفوضوي فإنها تفرض على المواطنين الذين يريدون الحصول على تراخيص بناء أن يأتوا بمثال ممضى من طرف مهندس معماري ممارس. ونتمنى أن يوحي هذا السلوك المسؤول بشيء ما الى سلطة الاشراف. باب التوزيع إن الملاحظ للسلسلة التي يتحرك داخلها الكتاب تجاريا يمكن أن يستنتج بسهولة أن الموزع عنصر أساسي لازم فيها. فإذا تشوّه هذا الجزء فإن ذلك يكون سببا في ضرر كبير يؤثر على السلسلة بكاملها. وصورة الحال، كمال يقال، أن الموزعين رغم أنهم طرف تجاري، هم لا يتعاملون تجاريا مع الكتاب ولا يقبلونه إلا en dépôt بمعنى أنهم لا يدفعون مقابله لا أموالا ولا حتى سندات للدفع في حين آخر. في حين أن الناشر يكون قد دفع أموالا وسندات لفائدة المطبعي وغيره من المتدخلين. فمن أين سيفي بتعهداته والتزاماته إذن. من أجل ذلك فإننا ندعو إلى: 1 تأهيل الموزعين أدبيا وماديا حتى يمكنهم أن يكونوا طرفا تجاريا حقيقيا، وإلزامهم بعدم التعامل بطريقة ال en dépôt وأن يدفعوا أموالا مقابل الكتب التي يأخذونها من الناشرين. ومن ثم فإنهم سيكونون ملتزمين طبيعيا بتوزيع هذه الكتب سريعا حتى يسترجعوا أموالهم من السوق. وذلك هو السلوك العادي الذي يقوم به جميع الموزعين في المواد التجارية الأخرى. 2 تفعيل القرار الرئاسي الخاص بخلق مؤسسة توزيع، ونتمنى أن يكون ذلك سريعا، وأن تشتغل هذه المؤسسة طبقا للمقاييس العالمية. 3 باعتبار أن المكتبي هو الطرف الاخير في سلسلة الحركة التجارية للكتاب، وهو المتصل بالزبون / القارئ، فإننا ندعو الى تأهيله بحيث يكون عاملا دافعا ومنشطا جديا في حركة البيع. ولن يفعل ذلك إذا لم يكن يحترم الكتاب ويؤمن به منبعا للمعرفة ومنبعا لرزقه. باب دعم الكتاب لا يتجاوز معدل الاقبال على القراءة في الدول الناطقة بالعربية 1/4 صفحة للفرد كامل السنة. في حين أنها تصل الى 7 صفحات في الدول الاوروبية، و11 صفحة في أمريكا، وإن المتأمل لهذه الأرقام يمكنه بسهولة ملاحظة أن الفرق بينها هو فرق في الدورة الاقتصادية كاملة. والاشتغال على صناعة الكتاب، في رأينا، ممكن جدا لكل راغب من الشعوب والأمم، لأنه لا يتطلب تكنولوجيا عاليةأو سرية أو مكلفة مثل صناعات أخرى. المهم أن نكون نحن مؤمنين أن الكتاب يمكن ان يكون طرفا في الاقتصاد. ونهيئ له المناخ المناسب، من خلق القوانين المساعدة والدافعة، الى تهيئة القراء / الزبائن وتشجيعهم وجذبهم، الى المتابعة وفتح جميع فضاءات الحوار مع الناشرين بوصفهم صناعيي الكتاب، حتى يمكن تعديل قوانين السير أو خلقها في الابان وتفادي الضرر في الوقت المناسب. من جهة أخرى وفي اطار دعم الدولة للكتاب غير التجاري، يمكن الحديث مثلا عن: 1 جعل الضرائب بالنسبة للكتاب الثقافي بحساب الدرجة الدنيا (6٪)أو حذفها تماما، على الأقل وقتيا. 2 الإعلان التجاري PUB عن الكتب الثقافية في جميع وسائل الاعلام مجانا (على الأقل الحكومية). كما يمكن ادخال الاعلان عنها في النشرة الالكترونية News Bar. 3 الترويج لأهمية القراءة في جميع الوسائل الممكنة مثل التلفزة والسينما...وكذلك عبر الوسائل المتاحة لوزارة الثقافة ووزارة التربية. وخلق فضاءات زمانية ومكانية مناسبة أسوة بالدول المتقدمة. 4 مواصلة العمل على التخفيض في سعر الكتاب بتخفيض الضرائب، كما ذكرنا والبحث عن ورق قليل التكلفة وكذلك بالنظر في تكاليف الحبر. 5 العمل على تخفيض الواردات، والتعاون مع دور النشر المحلية على انتاج تلك العناوين، وذلك ليس فقط لتشجيع دور نشرنا (بالصفقات التي يمكن ان تعقد)، ولكن ايضا للتخفيض في نزيف العملة الصعبة، فبين ال15 م.د وارادات و3م.د. انتاج داخلي، يبدو الميزان مختلا جدا. والعمل على موازنته هو في صميم العمل الوطني والسيادي. 6 كذلك ندعو جميع الأطراف الى مواصلة العمل على الرفع في نسبة التمدرس والتخفيض في نسبة الامية والفقر والتحسيس بأهمية الكتاب لدى جميع المستويات والاعمار والأطراف. واعادة زرع ثقة الناس فيه مصدرا للمعرفة. وفي المعرفة نفسها بوصفها عاملا أساسيا في العيش الكريم والمحترم. 7 دعوة الجميع الى الالتزام بكل ما يساهم في ترقية الكتاب. وعدم الترويج الى غير ذلك. مثل القول المدحوض بأن الانترنات اصبحت تأخذ مكانه. ولو كان ذلك صحيحا لصحّ أكثر في أمريكا. اذ رغم انها من اكثر الدول المستعملة للأنترنات، لا تزال من اكثر الدول المنتجة للكتاب والمستهلكة / القارئة له. باب القوانين غير الموجودة والقوانين الموجودة ولا تتنفذ أما بالنسبة للقوانين الموجودة ولا تتنفذ، فيمكن الحديث مثلا عن صندوق ضمان القروض المسندة للصناعات الثقافية، الذي يعتبر الانتاج الثقافي (الكتب) صناعة.وهو يتدخل لدى البنوك للضمان في التمويلات الموجهة الى هذه الصناعات الثقافية. ورغم ان المنشور المنظم لهذه التدخلات قد أمضي من قبل السيد وزير المالية منذ افريل 2004، الا ان هذا الصندوق الذي كان يمكن ان يساعد على تنشيط الحركة الثقافية لا يزال عاطلا عن العمل،لأن البنوك لا تعترف به. ولما كثر التوجع والتفجع وعمّ الضرر جميع صناعيي الثقافة، جاء تدخل السيد الرئيس بمناسبة اليوم الوطني للثقافة 2007 يدعو الى ضمّ صندوق الصناعات الثقافية الى آليات التمويل البنكي. وخلنا ان ذلك سيجعل حدا لامتناع البنوك عن التعامل مع الصناعيين الثقافيين ولاحجامها عن تمويل انتاجاتهم.ولكن لا فائدة إنهم لا يمتثلون حتى للرئيس! ولأن الصناعة الثقافية يمكن ان تساهم في دفع عجلة الاقتصاد وفي تنمية البلاد،فإن تعطيلها هو تعطيل لتونس، نمائها ورقيها. ولو كان يمكن ان نقاضيهم من اجل الضرر ومن اجل الخيانة العظمى لفعلنا. ونحن ندعو جميع الأطراف الى إلزامهم ب: 1 الاعتراف بصندوق الصناعات الثقافية وقبول التعامل معه، ضامنا وآلية من آليات التمويل البنكي. 2 الاعتراف بالصناعة الثقافية، مفهوما ومؤسسة.وقبول تمويل انتاجاتها دون قيد او شرط، بل إننا نأمل ان تتدخل الدولة لتجعل هذا التعامل ميسرا. 3 الاعتراف بالانتاج الثقافي كرأسمال، والقبول به نصيبا في الرأس مال المكون للمؤسسة apport en nature ونصيبا في الرأس المال المنتج. ويمكن للناشر على أساس ذلك ان يأخذ قرضا لتمويل بقية مصاريف الانتاج. أما القوانين غير الموجودة فيمكن ان نبدأ الحديث عنها من مجلة تشجيع الاستثمارات، نشرية 2007 حيث ذكرت في الفصل الاول، المتعلق بضبط مجالات تدخل قانون الاستثمار، عبارة production et industries culturelles ص7. ثم نجد في القائمة التفصيلية لمجالات التدخل ص53 في آخر الصفحة عبارة Edition du livre، نشر الكتب. غير ان المسؤولين في وكالة النهوض بالصناعة وبنك المؤسسات الصغرى والمتوسطة ومركز الاعمال لا يعترفون بهذا الخطاب الرسمي ويعتبرون ان الكتب لا ترقى الى كونها صناعة. وبالتالي فإن مشاريعها لا يمكن ان تتمتع بدعم الدولة. وهذا يعني اننا نخسر حقنا في تدخل صندوق الFOPRODI وحقنا في المنح التي تسندها الدولة الى الاستثمارات المنتصبة في المناطق ذات الاولوية والحدودية وحقنا في ان تغطينا صناديق الضمان، وحقنا في الاقتراض من بنك المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وحقنا في ان نوجه جميع المبلغ المقترض الى انتاج الكتب دون ان يرغمنا اي بنك او اية جهة كانت الى وجوب ان تكون ال70٪ منه موجهة الى شراء المعدات مثل المشاريع الصناعية الاخرى. وحتى لما اتصلت شخصيا بالجهات المعنية لرفع اللبس، قالت السيدة المسؤولة في الAPI : «ما هياش صناعة، وبدون جدال» وقال السيد مسؤول وزارة الصناعة الذي كان أرحب صدرا واكثر قابلية للتفهم ان القوانين الموجودة والمشار اليها في مجلة تشجيع الاستثمارات في حاجة الى نصوص تكميلية حتى تتفعل ويمكن بعد ذلك الاستفادة منها والحصول على الامتيازات المتاحة. من اجل ذلك وبكل الالم الذي يملأنا لأن مؤسساتنا الثقافية تتضرر وتسقط الواحدة تلو الاخرى. وبكل الرغبة التي تملأنا نكون مواطنين كاملين، ونساهم مثل غيرنا في نماء هذا البلد العزيز. وبكل ما تقدم فإننا نطالب باتخاذ ما يلزم حتى تكتمل النصوص. يكتمل حقنا وواجبنا. ونتمنى ان يكون ذلك سريعا حتى يدركنا أحياء. كما نتمنى ان تتواصل هذه الاستشارة حتى تتوازن مؤسساتنا الثقافية وتصح.