في 12 سبتمبر 2009، وفي سياق اعتمالات الاستشارة الوطنية للكتاب، كنا نشرنا مقالا بجريدة الشروق ص 27 بعنوان «الكتاب... مشاكله وموانع تقدمه». وأتينا فيه وقتها على بعض المعيقات التي بدت لنا، من واقع تجربتنا، أنها تؤثر على تطور الكتاب. فتحدثنا مثلا عما يسمى «بالناشرين الخواص» ومدى الضرر الذي يلحقونه بالناشرين العاديين، أصحاب التراخيص التجارية. وتحدثنا أيضا عن مشاكل توزيع الكتاب وطريقة ال en dépôt المشهورة وامتناع الموزعين عن دفع مقابل للكتب / السلع التي يأخذونها، ثم تحدثنا عن دعم الكتاب وضرورة الايمان به كرافد من روافد التنمية يمكن أن نطال به الامم الكبيرة، لو عرفنا كيف نتعامل معه، وتحدثنا أيضا عن القوانين الغير موجودة وتلك الغير مفعّلة، مما يمنع الاستفادة من الامتيازات والمنح التي أقرتها الدول لفائدة المؤسسات. انتهت الاستشارة... انتهى الاعتمال وجُمعت الخلاصة في كتاب بهي شكلا ومضمونا، تضمّن فيما تضمّن تشخيصا للوضع فيه أرقام كثيرة ما كان أحوجنا إليها عن عدد دور النشر وعدد العناوين المنشورة وسبب المطالعة وغير ذلك مما يثلج الصدر ويساعد على رؤية أوضح. وتضمن بعض التوصيات مثل «دعم النصوص التشجيعية المتعلقة بالاستثمار في مجال الثقافة عموما وفي مجال النشر والكتاب بالخصوص». ومثل «إحداث دعم جديد يمنح الى مشاريع تتقدم بها دور النشر...»، وأيضا توصية ببعث مركز وطني للكتاب يكون من مهامه تشجيع الكتاب التونسي تأليفا ونشرا وترويجا، ومساندة مؤسسات النشر والتوزيع المهنية... وهذه التوصية الاخيرة هي قريبة مما طالبنا به في آخر مقالنا المشار إليه حين تمنينا ان تتواصل الاستشارة حتىتتوازن مؤسساتنا الثقافية وتصحّ. كما وجدنا صدىللعديد من النقاط التي طرحناها مثل تأهيل الموزعين والمكتبيين / الكتبيين، ومثل تشجيع المطالعة ومثل دعم الكتاب بصفته مادة ابداعية وصناعة ثقافية، وقد أسعدنا أن وجدنا من يستمع إلينا ولكن هناك العديد من النقاط الأخرى التي يجب ان تناقش: 1 فمثلا بالنسبة «للناشرين الخواص» وما يلحقونه بنا من ضرر باعتبارهم يأخذون من مساحتنا التجارية الطبيعية، وعدا الرقم الذي ورد بالصفحة 12 من أن ما ينتجونه خارج السياق القانوني يمثل 30 الى 40٪ من جملة الانتاج (وهو رقم مخيف) فإننا لم نجد شيئا يشير الى أي اجراء صارم يتخذ ضدهم ويوقفهم عند حدهم ويرجع إلينا مساحتنا ومكانتنا في السوق. وبما أن السيد الرئيس كان دعا الى تنسيق الجهود بين جميع الوزارات بما يعود بالنفع على الكتاب وصناعييه فإننا نعيد دعوة وزارة الثقافة ووزارة التربية وإدارتهما الجهوية الى عدم التعاطي التجاري مع هذه الفئة. وحتى يكون كلامنا ملموسا أكثر سوف نطرح بعض الأرقام على سبيل المثال فقط وهي قديمة شيئا ما: تعدّ المؤسسات التربوية بين اعدادية وثانوية ما يقارب ال 1250 مؤسسة ويصل مجموع الفصول بها الى حوالي ال 35.000 فصل تضرب في 2 لأن الجوائز تعطى الى التلميذين الاول والثاني ويصل غلاف الجوائز الى 600.000د تقريبا أكثرها يذهب الى تلك الكائنات الطفيلية التي تدعى «ناشرين خواص» رغم أننا الأكثر احتياجا لهذا المبلغ والأكثر استحقاقا له بحكم صفتنا التجارية، وبما أنه، وكما يقال، من كل حسب حاجته الى كل حسب استحقاقه، فإننا لا زلنا نؤكد على عدم التعاطي معهم تجاريا. ونستغرب أن لم يرد شيء في الكتاب يشير الى ذلك. 2 تقريبا في نفس السياق، قرأت شيئا حول امكانية التخفيض في الضريبة الموظفة على الدخل من 15٪ الى 5٪ بخصوص العائدات المتأتية من الأعمال الابداعية والأدبية، وهذا أمر رائع ولفتة كريمة من سلطة الاشراف، ولكن ما مأتاها؟ هل كانوا يضجون بما يدفعون؟ انهم لا يدفعون شيئا، لأنهم لا يقرّون أساسا أن لهم مداخيل! 3 وجدنا حديثا يسعد عن دعم مجهود التوزيع وتأهيل الموزعين.ونذكّر أيضا بالقرار الرئاسي الخاص بخلق مؤسسة توزيع، لأنها إن وجدت وبما أنها ستكون حكومية فإنها ستكون الضامن لأي مشروع كتاب أنه سيتواجد في جميع مكتبات / كتبيات البلاد التونسية. 4 تلك التوصية الرائعة ص 27 حول «دعم النصوص التشجيعية المتعلقة بالاستثمار... في مجال النشر والكتابة» هل تتضمن التأكيد لدى جميع الوزارات والبنوك بأن الكتاب صناعة ثقافية، ويمكن بالتالي الاقتراض لتمويل انتاجه دون أن تجبرنا البنوك او غيرها أن نوجه 70٪ من غلاف المشروع الى شراء معدات؟ لو تم ذلك فإن مشكلة كبيرة تكون قد انزاحت وبابا كبيرا من الأمل يكون قد انفتح. 5 لم نتلقف أي اشارة حول الاقتراح الذي دعونا فيه الى الاعتراف بالانتاج الثقافي كرأس مال. والقبول به نصيبا في الرأس مال المكون للمؤسسة Apport en nature ونصيبا في الرأس مال المنتج. اتحاد ناشرين وليس اتحاد الناشرين أذنَ لعموم الناشرين أنّهم ظلموا. كنت تحدثت في المقال المشار اليه عن اتصالاتي بالسادة المسؤولين بحثا عن امكانية للتمتع بامتيازات الدولة باعتباري ناشرا وباعتبار أن الكتب صناعة ثقافية، وكان من ضمن هؤلاء مسؤولة سامية بإدارة الآداب، بدا لما سألتها عن حل لمشكلتي أن ليس لها علم بالجوانب القانونية لصندوق ضمان القروض المسندة للصناعات الثقافيةولسبل التمتع بامتيازات الدولة. وقالت لي، ربما لتتخلص مني: «شوف اتحاد الناشرين»،فهل أن اتحاد الناشرين هذا أصبح هو المحدد وهو القانون؟ إذن فنحن «الخارجون عن القانون» / عن اتحاد الناشرين، نعلن ان اتحاد الناشرين ليس أبانا وحيث أننا لسنا أعضاء فيه فلا نعود له بالنظر وحيث ان عددا كبيرا من ناشري تونس ليسوا أعضاء فيه فإنه لا يمثل عموم الناشرين التونسيين وإذن فليس له القول المطلق حول النشر في تونس. وإن عدم التحاقنا به يرجع لسببين: أولهما ان الاتحاد الحالي يفرض انتاج 5 كتب كحد أدنى، وإن هذا التحديد خاطئ من حيث المبدأ حتى وإن كان كتابا واحدا. إذ ما همّ الاتحاد إن كنت أنتج كتابا كل عشرين سنة، ما دام هذا الكتاب ذا صبغة ثقافية ويضيف الى الانسان. لأن قيمة الاشياء في جودتها وليس في عددها، وإن المهم حسب رأيي هو التزام الناشرين بمهنتهم. ولا أعتقد مثلا أن عمادة الأطباء لا تعترف الا بالأطباء ذوي الدخل المرتفع فالمحدد كما قلنا هو التزام الشخص بمهنته، أما رقم أعماله فيهمّ جهات أخرى.