عادة ما نرى بعض الناس في رمضان وفي الطرقات العامة والأسواق وغيرها يعمدون إلى تصرفات وسلوكيات شاذة ويدخلون في مشاحنات وخصومات غريبة تنم عن غضب ونرفزة مبالغ فيها وإذا ما لمتهم على ذلك قالوا لك إنها (حشيشة رمضان) ,وهذه كلها تعلات وتبريرات واهية لا أساس لها من الصحة وإنما تنمّ عن سوء أدب وجهل بالدين الذي عمل على تنظيم المجتمع فشملت توجيهاته كل مجالات الحياة .وإن مما يظهر فيه شمول هذا الدين، وجلاء حكمه وأحكامه، ما أوضحه الكتاب والسنة من آداب الطريق، ومجالس الأسواق، وحقوق المارة، وأدب الجماعة. جاء في محكم التنزيل: {وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً} (الفرقان) فعباد الرحمان يمشون في الطريق هوناً، لا تصنُّع ولا تكلف، ولا كبر ولا خيلاء، مشية تعبر عن شخصية متزنة، ونفس سوية مطمئنة تظهر صفاتها في مشية صاحبها. وقارٌ وسكينةٌ، وجدٌّ وقوةٌ من غير تماوتٍ أو مذلة، تأسياً بالقدوة الأولى سيدنا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام فهو غير صخَّابٍ في الأسواق حين يمشي يتكفَّأ تكفؤاً، أسرع الناس مشية وأحسنها وأسكنها، هكذا وصفه الواصفون، تلك هي مشيةُ أولي العزم والهمة والشجاعة، يمضي إلى قصده في انطلاقٍ واستقامةٍ لا يُصعر خده استكباراً، ولا يمشي في الأرض مرحاً. لا خفق بالنعال، ولا ضرب بالأقدام، لا يقصد إلى مزاحمة، ولا سوء أدب في الممازحة، يحترم نفسه في أدب جمّ، وخلق عال لا يسير سير الجبارين، ولا يضطرب في خفة الجاهلين. إنه المشي الهون المناسب للرحمة في عباد الرحمان، وحين يكون السير مع الرفاق فلا يتقدم من أجل أن يسير الناس خلفه، ولا يركب ليمشي غيره راجلاً. أما خفض الصوت وخفضه فهو من صفات أصحاب الخلق الرفيع، إنه عنوان الثقة بالنفس، وصدق الحديث، وقوة الحجة يصاحب ذلك حلم وصفح، وإعراض عن البذاء من القول، والفحش من الحديث تجنباً لحماقة الحمقى، وسفاهة السفهاء. ولا يرفع صوته من غير حاجة إلا سيء الأدب ضعيف الحجة، يريد إخفاء رعونته بالحدة من الصوت، والغليظ من القول كما نرى اليوم وفي هذا الشهر بالخصوص من نماذج بشرية ليس لها من الصيام سوى الكف عن الطعام والشراب.وكف الأذى عن الطريق من أبرز الحقوق. والأذى كلمة جامعة لكل ما يؤذي الناس من قول وعمل وتصرفات تخلّ بالأخلاق وأعراف المجتمع وتتنافى ومقاصد الصوم النبيلة يقول عليه الصلاة والسلام: (لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس) وحينما طلب أبو برزة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمه شيئاً ينتفع به قال: (اعزل الأذى عن طريق المسلمين).والمسلم هو أولى الناس بالتحلي بآداب الطريق فلا يخرج عن حدود اللياقة والأدب في التعامل مع إخوانه خاصة في شهر رمضان شعاره في ذلك ( إني صائم, إني صائم ...).