هو أبو زكرياء يحي بن عمر بن يوسف بن عامر الكناني توفي سنة 280 هجريا ودفن بمدينة سوسة. ويذكر الاستاذ الهادي العامري في دراسة له تحت عنوان: «حياة يحي بن عمر» أنه كان من موالي بني أمية بالاندلس وكانت لبني أمية طريقة خاصة انفردوا بها عن باقي الفاتحين تتمثل في البحث عن أصحاب المواهب للاستفادة من عبقريتهم والاستعانة بذكائهم في توطيد سلطانهم ونشر المعرفة بين الامم التي يفتحونها وكان قادة الدولة الاموية يسهرون على تنفيذ هذه الخطة وإن أنسوا الذكاء والقابلية في أحد وكان أسيرا منحوه حريته واستخدموه في المهام العظام. ولد يحي بن عمر الكناني من أبناء مواليهم بمدينة «جيان» الاندلسية. وكان الاسبان يطلقون على هذه المدينة اسم «جان خيان» وتقع في شرقي قرطبة التي كانت مدينة الصناعة والحدائق والجمال الطبيعي الفتان وقد تخرّج منها العديد من رجال العلم والادب وكبار المحدثين. رحلة علمية التحق يحي بن عمر بعد ذلك بقرطبة عاصمة الاندلس في العصر الاموي ليقرر بعد ذلك الرحيل الى الحجاز مطلع شمس الاسلام فمصر فبلادنا تونس. ولقي بن عمر في رحلته هذه عددا كبيرا من أعلام الاسلام. وجاء في هذه الدراسة أن يحي بن عمر حل ببلادنا في عهد عظمة الدولة الاغلبية ورسوخ سلطانها في عصر كان فيه الامراء يخطبون ود العلماء ويحاولون بكل ما أوتوا من جهد إخضاعهم لسلطانهم من خلال عديد الاغراءات للاستعانة بهم عل إخضاع الشعب ولكن العلماء كانوا ينفرون منهم نفورا شديدا ويرفضون الاجتماع بهم. وعما يروى عن يحي بن عمر لقاءه الاول مع الإمام سحنون أو عبد السلام بن سعيد المتوفى سنة 240 هجريا أنه قال: مضيت الى البادية فرأيت رجلا أشقر عليه جبة صوف ومنديل وهو يتولى حرث ضيعته وأسباب مؤونته فاستثقلته وقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، جئت من المشرق وخلفت العلماء الى هذا الرجل وما أراه من العلم في شيء. فأنزلني ورحب بي فلما كلمته وسألته في العلم كلاما والله العظيم ما رأيت مثله قط. كأن العلم والله جمع في صدره وبين «كتفيه» هكذا كان سحنون يعيش من كسب يديه رغم أنه صاحب المدونة الذي طبقت شهرته الآفاق وقطع اليه طلبة المعرفة آلاف الكيلومترات من المشرق والمغرب للنهل من علمه الفياض. أحكام السوق لم يخل العصر الذي عاش فيه يحي ابن عمر على إشراقه من هنات أخرت في الظهور وإن استؤصلت بالقاومة فيما بعد. عديدة هي التيارات الهدامة التي ظهرت من باطنيين وملحدين وطوائف ترى الدين في البكاء والرقص والنحيب والكسل وكان لها مسجد خاص بالقيروان يدعى «مسجد السبت» هؤلاء تصدت لهم مدرسة سحنون المالكية بالقيروان كما أن يحي بن عمر ألّف كتابا في أهل السبت ومسجدهم والنهي عن الحضور فيه ودعا الى هدمه. ونبقى مع مؤلفات بن عمر لنشير الى أنها كانت كثيرة ولم يصل الينا منها إلا قليل كأحكام السوق الذي يعد أول كتاب في العالم الاسلامي يتناول القانون التجاري وله كتب «الصراط» و«الميزان» و«النظر الى الله تعالى» و«في الرد على الشافعي وفي التحذير من مسجد السبت بالقيروان». أما عن اختياره لجوهرة سوسة التي درّس وتوفي بها وقبره معروف الى الآن بحديقة سيدي يحي بوسط المدينة (مقامه هو حاليا مقر لجمعية الاتحاد الثقافي بسوسة) فإن المؤرخين يرجعون ذلك الى اعتداله ونبذه للتطرف لأن جوهرة الساحل كانت مدينة عبادة وصلاح مما جعله يقول مقولته الشهيرة: «الله لا تكسبني ذنبا أستحق له الخروج من سوسة».