هو أبو زكريا يحي بن عمر الكناني والى جده ينسب «باب عامر» الشهير بقرطبة ولد سنة 213 هجريا / 826 ميلاديا بمدينة «جيان» الاندلسية بقرطبة ودرس على جمع من العلماء بها. تطلعت همته الى مزيد من العلم والتعمق في العلوم الفقهية فسافر الى المشرق وأدى فريضة الحج وإثر ذلك رجع الى مصر وأقام بها مدة من الزمن حيث تعرف على الاوساط العلمية والفكرية هناك ودرس على عدد من أعلامها المشاهير مثل عبد الرحمان بن عبد الحكيم ويحي بكر، ثم توجه الى بلادنا وخل القيروان لما سمعه عن أعلامها وفي مقدمتهم الإمام سحنون بن سعيد التنوخي، حامل لواء المذهب المالكي بافريقية وبلاد المغرب والاندلس خلفا لشيخه وقدوته أبو الحسن علي بن زياد ناشر المذهب تلميذ الإمام مالك صاحب المذهب والمدونة. لم يجد يحي بن عمر الإمام سحنون بالقيروان فأرشدوه باللحاق به في الساحل حيث مسكنه وحقله بقرية تعرف بمنزل الصڤلاس. (كانت توجد بين القلعة الكبرى والصغرى معتمديتان تتبعان حاليا لولاية سوسة) وهناك التقاه وتعرّف عليه. ويذكر هنا يحي بن عمر انه وجد رجلا أشقر عليه جبة صوف وهو يقوم بحرث أرضه. ويضيف قائلا: «استقللته، أي قلّلت من شأنه وقلت في نفسي «إنا لله وإنا إليه راجعون... تركت العلماء بالاندلس وجئت الى هذا الرجل ما أراه يحفظ شيئا من العلم ولا معه شيء». فأنزلني ورحب بي ولما كلمته وسألته في العلم رأيت بحرا لا حدّ له... والله ما رأيت مثله من قبل فكأن العلم جُمع بين يديه. صلاح وورع كثيرة هي الكتب التي تحدثت بإطناب عن يحي بن عمر وعن علمه وفضله. يقول ابن أبي ديلم «كانت له منزلة شريفة عند الخاصة والعامة والسلطان وكان الامراء يقدّرونه ويهابونه ويتصلون به لمشورته في كل أمور الدنيا والدّين. وقال أبو العرب التميمي في كتابه الشهير وهو أقدم كتب الطبقات «طبقات العلماء افريقية» كان مقدما في الحفظ، اشتهر بورعه وزهده وكان له في القيروان مسجدا يستمع فيه الناس اليه وكثير النهي عن البدع. ويقول الفقيه أبو العباس الابياتي عنه «كان يحي فقيها صحيح الكتب مع صلاح وورع وكان شديدا في في الحق صلبا في السنّة. وقال ابن الحارث: كان يحي متقدما في الفقه وكان فيه من السكينة والوقار ما يجب لمثله، تأدب في ذلك بآداب مالك بن أنس رضي الله عنه. وقال أبوبكر المالكي في كتابه «رياض النفوس» كان يحي بن عمر من أهل الصيام والقيام، مجاب الدعوة. أعماله ومؤلفاته ليحي بن عمر مؤلفات كثيرة في شؤون الفقه والعلم ويقول هنا الطبيب القيرواني الشهير أحمد بن الجزار: «له من المصنفات قرابة 40 جزءا منها الرد على الشافعي (إمام المذهب الشافعي) وهو من معاصريه وكتاب «الميزان» وهو في أصول السنن و«الرواية» و«الوسوسة» وهي كتب علمية وتحديدا طبية. ومن أبرز المؤلفات التي اشتهر بها كتاب «احكام السوق» وهو أول مؤلف إسلامي يضبط قوانين المعاملات التجارية. اختار يحي بن عمر مدينة سوسة للتدريس والتأليف بها حتى وفاته سنة 289 هجريا / 902 ميلاديا ودفن بمقبرتها حيث ضريحه بباب البحر (حديقة سيدي يحي كما يسميه سكان سوسة والساحل). وكان محبّا لسوسة حيث قال: «الله لا تكسبني ذنبا أستحق له الخروج من سوسة» ذلك لان المدينة كانت في القرن الثالث للهجرة مدينة عبادة وعلم وصلاح.