لا يمكن أن ينكر أحد أن الدراما الاذاعية تراجعت بشكل ملفت في السنوات الأخيرة مقارنة بسنوات السبعينات والثمانينات حيث عاشت حضورا كبيرا في ذاكرة المستمع العربي غير أن تطور المشهد السمعي البصري جعلها تصاب بالشيخوخة كما وصفها البعض نتيجة رفض القائمين عليها حمايتها من التزاحم الفضائي مكتفين بالوقوف على أطلالها مفتخرين بمكاسب أصبحت ذكريات من الماضي، وحول هذا التراجع الخطير للدراما الاذاعية التي أصبحت تطلّ على مستمعينا مرة في السنة وبالتحديد في شهر رمضان.. «الشروق» طرحت السؤال على بعض المطلعين على هذا الشأن فجاءت الاجابات مشحونة بالتحسّر على الماضي متفائلة بمستقبل الدراما الاذاعية التونسية. الوضع حاليا في الاذاعة أصبح مختلفا عن الاذاعة قديما بعد المنافسة الشرسة من طرف وسائل الاعلام الحديثة لكن يبقى للدراما الاذاعية وللإذاعة بصفة عامة جمهورها لأنها مازالت تحظى بالنجومية لدى متتبعيها..» هذا رأي الممثلة الكبيرة سلوى محمد التي تعتبر من أبرز الممثلات في الدراما الاذاعية وهي التي قدّمت الكثير للإذاعة التونسية باعتبارها موظفة في فرقة الاذاعة. سلوى محمد ترى أيضا أن حضور الاذاعة على الأنترنات سهّل للجمهور متابعتها حتى في أوقات غير التي تبثّ فيها برامجها وبالتالي بالامكان مشاهدة المسلسلات الاذاعية.. وبالرغم من تراجع الانتاج تضيف الممثلة سلوى محمد إلا أن فرقة الاذاعة تجتهد ليلا نهارا حتى تحافظ الدراما الاذاعية على مكانتها مثلما كانت عليه سالفا، حيث كانت الاذاعة الوطنية تزوّد بقية الاذاعات الجهوية بالانتاج الدرامي. التلفزة من الأسباب الرئيسية وفي نفس السياق تحدث الممثل التليفزيوني بالأساس علي الخميري في لقاء جمعه ب«الشروق» على إثر تسجيله المسلسل الدرامي الجديد «صابرة» عن أزمة الدراما الاذاعية بين الأمس واليوم مضيفا أن ظهور الشاشة الصغيرة سيطر على المشاهد وأصبح الميل للتلفزة أكثر من الاذاعة لكن هناك أعمال بقيت في الذاكرة.. يقول علي الخميري خاصة أن الدراما الاذاعية يبقى لها جمهورها الوفي لأنها ساهمت في تنمية الوعي وإطلاق الخيال في ظلّ غياب التلفزيون. «... مازالت صامدة» ولئن أزالت وسائل الاعلام الحديثة موقع الدراما الاذاعية من ذهنية المشاهد ولو بجزء بسيط فإن مكانة المسلسلات الاذاعية بقيت راسخة لدى البعض من المستمعين لأنها ضمّت لديهم قنوات ذهنية خاصة بهم فهم يتصورون الزمان الذي يريدون والمكان الذي يحبّذون لأن الدراما الاذاعية وكما ذكر بعض الباحثين قادرة على التحليق في ذهن المستمع لا تصل إليها الكاميراوات التليفزيونية وبالتالي يكون الاصغاء كاملا فتكتمل الصورة وتبلّغ المعلومة وهو ما أكده أيضا بعض النقاد حول أهمية المسلسلات الاذاعية في تقديم وجباتها الحسّية خالية من أية عوائق أو عوامل طاردة للوعي فالمستمع قد يغمض عينيه ويستمع ويتحيل ويعيش الحدث في ذهنه بالصورة والصوت وهو ما أكده أيضا الممثل علي الخميري. لكن وبالرغم من مزايا الدراما الاذاعية إلا أنها أصبحت تعيش اليوم حالة تراجع ملفت بل أنها غيّبت في فترات كثيرة بعد أن عاشت في سنوات سابقة حالة انتعاش كبيرة ولعل ذلك يعود وحسب بعض المطّلعين على هذا الشأن الى الحمل المادي الذي أصبحت تفرضه هذه المادة على ميزانية الاذاعة وهو ما يؤدي الى الاستغناء عنها أو محاولة تعويضها ببرنامج ترفيهي باعتبار أن المسلسلات الاذاعية أصبحت مكلفة وبلا مردود. الدراما الاذاعية مناسباتية وفي هذا السياق تحدّثت الفنانة الكبيرة عزيزة بولبيار صاحبة الأدوار التليفزيونية والاذاعية والمسرحية حول تراجع الدراما الاذاعية في السنوات الاخيرة قائلة إن ذلك يعود الى العمل الموسمي والمناسباتي وهو ما غيّب حضور الدراما الاذاعية في ذهنية المشاهد هذا الى جانب المنافسة الشرسة التي تواجهها الاذاعة من التلفزة ومن وسائل الاعلام الحديثة بصفة عامة. تضيف الممثلة عزيزة بولبيار «لكن في السنوات الاخيرة سجّلت الدراما الاذاعية عودة من الباب الكبير بفضل الاعلامي نبيل بن زكري الذي أصرّ على عودة اشتغال المجموعة ولعل مسلسل صابرة خير دليل على ذلك فقد جمع بين الكبار والصغار ودبّت الحياة من جديد في استوديوهات الاذاعة». عزيزة بولبيار أكّدت أيضا أن النشاط الدرامي الاذاعي بدأ يعود الى سالف عهده وقد انطلقت المجموعة في تحضير أعمال جديدة على غرار محمد علي بلحارث وأنور العيّاشي وأحمد السياري... وعن ذكريات الاذاعة تقول بولبيار في السنوات الماضية عاشت الدراما الاذاعية فترة انتعاشة لم يسبق لها مثيل وذكرت على سبيل المثال مسلسل «دار عمي علاّلة» الذي كان يذاع في نهاية الأسبوع تليه مسابقة تحوم حول أحداثه وهو ما يزيد في تشبّث المستمعين بالدراما الاذاعية، ومن أبرز الممثلين الاذاعيين في تلك الفترة تذكر عزيزة بولبيار دلندة عبدو، خديجة بن عرفة، نجيبة بن عامر، محمد ممدوح... والقائمة تطول. المستمع هو الفيصل رغم هذا التذبذب الذي تعيشه وضعية الدراما الاذاعية والمنافسة التي تواجهها من وسائل الاعلام الحديثة إلا أن العنصر الوحيد المتحكّم في اشكالية الدراما الاذاعية هو المستمع لأنه هو المتحكّم الوحيد في جذب أو طرد المجهول عن الدراما الاذاعية...