غريبة جدا، تلك الدعوة التي وجهها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لعقد لقاء ثلاثي على هامش الدورة 64 للجمعية العامة للأمم المتحدة. مكمن الغرابة متمثل في أن باراك أوباما يسعى إلى تحريك مسار تفاوضي و«إحياء» عملية سلمية عسرت على عتاة الدبلوماسيين الأجانب وعلى كبار المسؤولين الأمريكيين، ذلك أن جورج ميتشل المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط كان شاهدا ولا يزال، ومعترضا ولا يزال كذلك على صعوبة المرحلة التي تمرّ بها التسوية الإسرائيلية الفلسطينية. وهي مرحلة لن تفك طلاسمها بمجرد لقاءات ثلاثية هامشية لا سيما ان الاتفاقيات الملزمة لم تفلح في إلزام الصهاينة بمقرراتها وبنودها. لقاء «أوباما نتنياهو أبو مازن» لن يرضي أيّا من الأطراف المجتمعة باعتبار أن كل طرف يترقب من الآخر خطوات يعجز عن قطعها فأبو مازن ينتظر من أوباما ضغطا واقعيا على إسرائيل تفكك بمقتضاه البؤر الاستيطانية بعد ايقاف البناء فيها وتمنح تل أبيب الفلسطينيين موطئ قدم في القدسالشرقيةالمحتلة. في الطرف المقابل يطمح نتنياهو الى اعتراف فلسطيني ب«يهودية الدولة الصهيونية» وإلى شطب صريح لحق العودة وتجاوز الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي في القدس الشريف. بينما يسعى أوباما الى إقناع الطرفين برؤية أمريكية جديدة للسلام في الشرق الأوسط تمنح الفلسطينيين «دولة» بلا جغرافيا ولا سيادة ولا سلاح. وقد تسكن من جهة أخرى غريزة التوسع الإحتلالي عبر «الإقرار بحق وجود دويلة فلسطينية لها حدود» استيطانية ثابتة». بيد أن الأعجب مما ذكر يتشكل في تحول إدارة أوباما من «مجال صنع التسوية» إلى مجال ابتكار صورة التسوية إثر الفشل الفادح الذي لاقته جهود جورج ميتشل. ليتحول بذلك أوباما إلى منسق اجتماعات ولقاءات ثنائية وثلاثية ورباعية تعطي الانطباع بوجود نوايا للتسوية في حين أن الواقع على الأرض والخطاب الرسمي لكلا الطرفين بعيدان عن آفاق التسوية وتخومها. وهي سياسة أمريكية طالما اعتمدتها واشنطن في أفغانستان والعراق حيث دفعتها قوى الممانعة والمقاومة إضافة إلى أسباب موضوعية أخرى إلى التخلي عن حقيقة الصراع والنأي عنه والتوجه إلى صناعة صورة كاذبة عن الأمن وعن الحراك السياسي وعن التنمية الاجتماعية والاقتصادية وحتى في هذا المجال لم تنجح واشنطن في صنع الصورة ولن تفلح في هذه الحالة أيضا. هذا هو إذن حال «الوسيط النزيه» الذي بدأ في الاهتمام أكثر فأكثر باستحقاقاته الداخلية خاصة أن الجمهوريين نصبوا للسيد أوباما مدفعية إعلامية وسياسية وجماهيرية ونقابية تدك كل يوم وكل لحظة معاقل الديمقراطيين وتأتي في كل أزمة على شيء من حصونهم. والمؤسف في هذا ليس فشل أوباما أو نجاحه ولكن المؤسف في من جعل من أطروحات أمريكية متغيرة ومتقلبة خط دفاعه الأخير وعنوان خطاباته ودعواته ومناشداته.