حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي عود على بدء، أردنا من خلال السؤال الذي ورد في آخر حلقة أمس، حول اعتبار العديدين بأن الخلاف بين بورقيبة وبن يوسف له جذور تاريخية بين الرجلين.. قال صاحب المذكرات إن «هناك أسبابا تاريخية ربما يمكن أن تفسّر الأمر.. فقد أخذ بن يوسف مكانة أولى فترة آخر الأربعينات، حين كان بورقيبة غائبا.. (في القاهرة).. وأذكر أنني لما كنت في تلك الفترة أدرّس في سوسة، كنّا كشباب غير مقتنعين بنشاط الحزب.. وكان صالح بن يوسف أمينا عاما للحزب، ومتواجدا بتونس.. ورغم أننا كمجموعة من الشباب الدستوريين، نادينا وقتها بضرورة أن يعود بورقيبة، لأن الحزب تحوّل إلى حزب «أكابر» كما ذكرنا، إلا أن صالح بن يوسف لم يعتبر الأمر عدائيا.. وكنّا نقول ذلك جهارا نهارا».. سألت «سي أحمد»: ألم يحاسبك صالح بن يوسف، بوصفه أمينا عاما للحزب؟ فقال: «أبدا.. لم يكن منه ذلك لا وقتها ولا لاحقا.. رغم أن المتملّقين وقتها، كانوا كثّرا» وعن مثل هذه الأخلاق، التي يكتسبها بن يوسف كزعيم سياسي، استذكر «سي أحمد» بن صالح قصّة مثالا، جمعته مع علي البلهوان، حيث يقول: «عندما رجعت إلى تونس مع المنصف باي (المتوفي سنة 1948)، ذهبت صحبة علي الزليطني، إلى المناضل علي البلهوان، بطلب منّي.. ولما وصلنا عند البلهوان قلت له: كشاب، أريد أن أقدّم اقتراحا للحزب.. لطريقة عمل الحزب الحر الدستوري، الذي كنّا ننتمي إليه كشباب.. قلت له، هذا اقتراح من شاب دستوري، له تاريخ صغير مع الحبيب ثامر والمنصف باي، لماذا لا تكوّنوا أو تخلقوا لجنة مركزية للحزب، (الحلقة التي تتوسط المؤتمر والديوان السياسي) يكون فيها للشباب موقع.. وأضفت للبلهوان: إن الشباب من جيلي ليس له مكانه لا في صنع القرار ولا في التحاليل.. كان معي علي الزليطني خلال هذه المقابلة، فما كان من علي البلهوان إلا أن بدأ يصرخ في وجهي بأن: كيف تتجاسر وتقول هذا الكلام.. وخرجت من عنده، وكأنني مطرود.. بقي معي علي الزليطني الذي لم يفارقني إلا بعد ساعات، بعد أن أفرغت ما عندي.. وكنّا نجوب الشوارع.. والغريب في الأمر، أن الحزب أقرّ في الأخير أن تكون له حلقة اللجنة المركزية.. ولكن ما أريد أن أقوله هو أننا تحوّلنا، أنا وعلي البلهوان، الذي كان يكبرني نضالا وسنّا، فأصبحنا أصدقاء جمعتنا قبّة المجلس التأسيسي» من خلال هذا المثال، أراد «سي أحمد» أن يدلّل على أخلاق الكبار من المواطنين، حين تختلف معهم، لا يبقون شيئا من الضغينة في نفوسهم تجاهك. قلت في سؤال: كيف عرفت صالح بن يوسف؟ فردّ بدون كثير تفكير: «طبعا كان هو الأمين العام للحزب الحرّ الدستوري.. وعندما كنت في السيزل، في المهمّة التي أوفدني إليها فرحات حشاد، كان النشاط الحزبي والوطني، محلّ اهتمامي وقد كنت في بروكسيل، أطّلع على كلّ ما يعني الحركة الوطنية التونسية.. لكن بشكل مباشر، تعرّفت على صالح بن يوسف في ستوكهولم سنة 1953، حين كنت أشارك في مؤتمر السيزلCISL، وجاء صالح بن يوسف آخر المؤتمر، ليشارك وفي نفس العاصمة السويدية، في مؤتمر الاشتراكية الدولية.. وأذكر أنه ومن الوفد النقابي الذي جاء من تونس، كان هناك محمد كريم ومحمد المسعدي، في حين قدم صالح بن يوسف من القاهرة.. أذكر أننا حرّرنا الخطاب سوية، ولم أرجع إلى بروكسيل مقرّ السيزل، بمجرد انتهاء المؤتمر النقابي الدولي، لأن صالح بن يوسف، أراد أن أبقى معه.. وأذكر كذلك أن الجملة النواة التي دار حولها خطاب صالح بن يوسف للاشتراكية الدولية: «نحن حزبنا (الحزب الحرّ الدستوري) مشكّل من الطبقة العمالية، أي «Le travaillisme à la Tunisienne». فإلى حلقة أخرى وتفاصيل فيها الكثير من الخفايا..