تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«شيوخ» التأسيسي يتذكرون وينصحون: الأستاذ أحمد المستيري ل «الشروق»: اذا كان المجلس القادم سيعيدنا إلى حكم بورقيبة وبن علي ...فيا خيبة المسعى !

هم «شيوخ» المجلس القومي التأسيسي 56 59...يتذكرون الماضي وينصحون للمستقبل...مازال لثلاثتهم أحمد المستيري وأحمد بن صالح ومصطفى الفيلالي، وجهة نظر في ما يحدث في تونس الثورة... اليوم ننطلق مع الاستاذ أحمد المستيري.
كما دأبه دوما يفضل الركون إلى الحكمة ومناقشة كل ما يطرأ بتروّ على أن يركب صهوة البطولة، ليغرق خطابه في شأن الماضي، دون وعي بتطورات المشهد السياسي الحاضر في بلادنا. آمن بالثورة وتحدث في شأنها وباركها... وأدلى بدلوه كسياسي محنّك ووطني مؤمن بحق الاختلاف بين التونسيين.
هو السيد أحمد المستيري الذي يؤثر أن تكون شرعة حقوق الإنسان هي الفيصل حتى تنتقل تونس من حال طالت سلبيته واستفحلت إلى حال يحمل بشائر تحقيق أهداف الثورة : الحرية والكرامة والديمقراطية... «سي أحمد المستيري» الذي أحاله الدكتاتور على الصمت القسري لم يكن في الحقيقة صامتا ولم يلتزم بأمر مفروض عليه... «سي أحمد» المستيري وكما عهده الجميع تجده في كل مفصل من تاريخ تونس سواء تعالت أمواجه صخبا أو كانت رياحه عاتية تجده في كل هذا ثابتا وصامدا.
التعبير الذي يمكن أن تكتب وأنت تتحدث إليه سؤالا أو طلبا لرأي هو أن الرجل يتلحف بمقولة : «يا جبل ما يهزك ريح» لكن حين تمعن في السؤال لماذا يعتمد مثل ردّ الفعل ذاك...يطالعك «سي أحمد» المستيري بضحكة الحكيم الشيخ التي تنتهي بإبتسامة قد تكون ساخرة...وقد تكون فيها «رفعة» وتعال بلا غرور... تعال عن التفاصيل ...وعمّا يشغل الناس عن مهامهم الحقيقية...
سألته عن «المجلس القومي التأسيسي» لسنة 1956 والذي قدّ دستور تونس سنة 1959 وعما يسديه من نصائح اليوم وهو الفاعل السياسي الذي لا يزال له باع ويمثل مرجعية للعديدين ومصدر قلق لجزء آخر من التونسيين.
سألت الأستاذ أحمد المستيري عن 55 سنة خلت فقلت لّه :
كنت طرفا فاعلا في المجلس القومي التأسيسي حيث يمكن التقديم أنك مثلت فئة الشباب في «تونس 56»...كيف تنبئنا عن ظروف تشكل وإنتخاب ونشاط «المجلس القومي التأسيسي» في 1956؟
بخصوص الظروف التاريخية، هناك بعض عوامل موضوعية كونت المناخ السياسي والتي مثلت الإطار لإنتخاب المجلس التأسيسي .
هناك الإعلان عن استقلال تونس وفق «بروتوكول 20 مارس 1956» بعد الخروج من مرحلة الحكم الذاتي التي لم تدم طويلا (في الزمن) حيث أن المراحل التي كان معلنا عنها اختصرناها فقد مكنتنا الظروف الداخلية والخارجية من اختصار المدة.
أما الظروف الخارجية فتهم حرب الجزائر (التحريرية) والتي انطلقت في 1954 ثم الإعلان عن استقلال المغرب إضافة إلى الأزمة الداخلية في تونس ونقصد الخلاف بين صالح بن يوسف وبورقيبة.
الخلاف كان في ما يخص التمشي الذي إختاره بورقيبة والخلاف الشخصي بين الرجلين هو الدور الأول... وقد نتج عنه تصادم ودماء... ثم هناك مزايدات بخصوص الاستقلال...
المزايدات من صالح بن يوسف؟
نعم هذه من العوامل التي جعلتنا نعجل بالإستقلال التام...من ناحية أخرى هناك عامل تجسيد الإستقلال وتصفية للاستعمار للإدارة وإحتلال الجيش الفرنسي حيث كانت ثكناته وقواعده العسكرية موجودة في المدن إضافة إلى منطقة بالجنوب التي كانت تحت الإحتلال الفرنسي.
أعتقد أن هناك موقفا آخر وقد تحدث عنه بورقيبة كيف عرضتم على الباي انتخاب مجلس تأسيسي بلا قيد أو شرط؟
نعم هي الظروف التي وقع فيها انتخاب المجلس التأسيسي اضافة إلى مسألة عرض انتخاب مجلس تأسيسي على الباي وأول حدث هام كان له تأثير على شكل ومحتوى النظام هو اغتيال أحد المرشحين، وقد وقع إنتخابه للمجلس التأسيسي، هو الحسين بوزيان في قفصة ووقتها مازال مرشحا لإنتخابات المجلس التأسيسي مما دعانا إلى اتحاذ مبادرات التشريع والأمن تحسبا لما قد يقع من إغتيالات أخرى كان الحسين بوزيان مرشحا ولا نعلم من اغتاله.
المهم أن قفصة كانت فيها مشادات بين أنصار بورقيبة وصالح بن يوسف وهناك عوامل «عروشية» ووجود مجموعات من المجاهدين الجزائرين وحملة السلاح في تونس ضد الاستعمار الفرنسي إذن هذه عوامل كبيرة جعلتنا نسرع بطريقة إستثنائية من أجل استتباب الأمن.
ثم إن المناطق الحدودية التونسية فيها عدد من المجاهدين الجزائريين المسلحين وأحيانا مجموعات مختلفة غير منسجمة مع بعضها... إلى حد أن تصفيات ومناوشات بين الجيش الجزائري وجبهة التحرير حدثت هنا عندنا في تونس...ووصلت إلى العاصمة هذا ما يجعلنا نأخذ احتياطات .
كيف اجتمع المجلس التأسيسي لأول مرة؟
اجتمع المجلس التأسيسي لأول مرة في أول جلسة له يوم 8 أفريل 1956.
كيف تمت عملية المرور من اتفاقيات للإستقلال الداخلي إلى انتخاب المجلس التأسيسي؟
قبل اجتماع المجلس وعندما بدأنا نقل السلطة من الاستعمار إلى تونس، صدر أمر عليّ (عن الباي) في التنظيم المؤقت للسلط العمومية وهو عبارة عن دستور صغير مؤقت ومختصر فيه مبادئ أساسية وذاك هو دستور الباي وهو مصدر التشريع وقتها وحتى الأوامر الترتيبية هو من يمضيها لتكون نافذة المفعول السلط القضائية مازالت كما هي قبل 1956... المحاكم والبوليس والجيش بقيت سلطات بيد الفرنسيين.
اجتمع المجلس التأسيسي ليقول إنه مكلف بإعداد دستور البلاد.
ومن الوهلة الأولى فكرنا في أنه :
اعتمادا على القاعدة الأصولية في القانون الدستوري : من يقدر على الكثير قادر بالضرورة على القليل ...بما أنه يعدّ للدستور فمن باب أولى أن يكون له الحق في سن القوانين Qui peut le plus peut le moins أطلقنا عليها إسم المجلس القومي التأسيسي.
ما الذي حدث يوم 8 أفريل؟
اجتمع المجلس تحت مكتب : أكبر الأعضاء سنّا واثنان من أقل الأعضاء سنّا أي سي محمد شنيق الأكبر سنا وهو الرئيس وأحمد المستيري وأحمد بن صالح أصغر النواب سنّا وكان مخططا أن يترأس الباي الجلسة الافتتاحية كان يلبس «الكسبات» وهو لباس الدولة العثمانية (مشير) يلبسها في إحتفالية العيد مثلا في قصر باردو...وحوله كان أمراء العائلة الحسينية جاء الباي وخرج سي محمد شنيق وألقى خطابا مختصرا وكنت إلى جانب سي محمد شنيق... دام خطابه 5 دقائق تقريبا ويبدو أنه وقع نوع من التململ حسم في لحظات.
كيف؟
كان الباي يعتقد أنه سيواصل رئاسة الجلسة فاذا بالمسألة كانت مبرمجة وتقتضي أن الباي وبمجرد أن ينهي سي محمد شينق الخطاب الافتتاحي فأن الباي يغادر القاعة...
ولكن وقع شبه تململ لأنه لم يخرج وكانت حكومة الطاهر بن عمار في الصف الأول...ونحن في الصف الثاني في الديوان السياسي ظننا أنه يبارك للمجلس فوشوشنا للطاهر بن عمار ليقول للباي بأن يغادر فقام الطاهر بن عمار وقاله له : سيدنا...تفضل.
كان الدور الذي قررناه للباي أن يحضر ويبارك في الجلسة الافتتاحية فقط. وأذكر أنه حدث وقتها أن قال أحمد باي «آش بيهم مشكاوني» ثم خرج... سمعه من سمعه وهو يغادر... ويقول جملته في روح من الدعابة... المهم أننا رجعنا إلى المنصة لنبدأ إنتخاب المكتب النهائي للمجلس التأسيسي قلنا من يترشح : تقدم بورقيبة ليترشح ولم يترشح نظير له في خطة رئيس المجلس التأسيسي.
ماهي التركيبة وكيف كانت؟
انتخابات المجلس وقعت على أساس أن الحزب يتقدم إلى الانتخابات وفق الجبهة القومية وهي تتركب من مرشحي الحزب الدستوري ومن مرشحي المنظمات القومية من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد القومي للصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين... وشخصيات مستقلة مثل محمود الماطري وحمادي بدرة(...).
فمثلا دائرة تونس الأولى كان يترأسها الطاهر بن عمار وهو مستقل من ناحية أخرى تقدم مترشحون من الحزب الشيوعي ولم يتحصل على أي منصب....الجبهة القومية فازت بكل المقاعد...!
قيل ويقال في شكل تعاليق أن التركيبة (للمجلس) فيها احتكار وكذلك تركيبة الجبهة القومية...نظريا نعم ولكن في الواقع فإن التركيبة البشرية فيها تعدد في الآراء... والإتجاه العقائدي من ناحية المؤسسات والحريات...
أذكر بعض خريجي الزيتونة، ومنهم الشيخ الشاذلي النيّفر...وظهر هذا في المداولات...
مكنا وتطبيقا للقاعدة التي ذكرتها : الذي يقدر على الكثير بامكانه أن يقدر على القليل...
بالقانون تمكن المجلس التأسيسي من التشريع عندنا لجنة لتحرير الدستور برئاسة السيد أحمد بن صالح في الميزانية...وهذه النقطة مطروح عليها البت في الاختيارات السياسية والتشريع الاجتماعي والنظام الأساسي للوظيفة العمومية... عند مناقشة هذه الملفات تبين من هو اليساري ومن هو اليميني وكان الاختلاف واضحا وكانت النقاشات في ما يخص النصوص والاعتمادات للتنمية والميزانية... متنوعة...وشديدة...
لم يكن هناك اجماع...داخل المجلس القومي التأسيسي لم يكن الإجماع كما حصل في ما بعد وفق نظام الحزب الواحد.
بوصفك رجل قانون ما الذي يمكن أن تفيدنا به اليوم كملاحظات بخصوص نص الدستور وفقراته أقصد دستور 1959؟
ما ألاحظه أنه أولا بخصوص تحرير الدستور وكذلك في مستوى القوانين التي صدرت في ذلك العهد فإن كلمة الحزب الحر الدستوري لم ترد في أي فقرة من فقراته.
سي الباهي الأدغم ومحمد السنوسي و«عبدكم» (يقصد ذاته تواضعا...) حرصنا على أن لا ينص الدستور على كلمة الحزب الحر الدستوري... وفي النصوص بالخصوص...ولا في أي قانون ولا الدستور.
نعود إلى الجدل الذي وقع خاصة في مستوى لجنة تحرير الدستور... والتي تعرض نتيجة عملها في الجلسات فقد برزت بعض الخلافات والتوجهات المختلفة في نطاق المجلس... المناقشات كانت حادة وفيها اختلافات ونقاش ثري جدا..
كان الاتحاد العام التونسي للشغل يعبر عن خياراته...بكل وضوح.
ملاحظة أسوقها : في ما يخص نظام الدولة : وبخصوص النص المشهور «دولة عربية إسلامية» ثم وقع إيجاد النص بإيعاز من بورقيبة بعد أن وقع جدل : هناك من أراد (الشاذلي النيّفر) دولة إسلامية ...وهناك من معه فقلنا لا، هناك مواطنون تونسيون ليسوا مسلمين على أساس لا إكراه في الدين إذن وجدنا الصيغة التي وجدت في توطئة دستور 1959 : دولة تونسية جمهورية الإسلام دينها والعربية لغتها.
عندما بدأت نقاشات مشروع الدستور الجديد منذ أول وهلة كان هناك مشروع تمهيدي قدمه الديوان السياسي بما أنه حزب الأغلبية..وقدمته بصفتي وزيرا للعدل..قدمنا المشروع التمهيدي فوافق عليه الديوان السياسي وقدمناه للمجلس لينظر في تحرير الدستور على أساس ذاك المشروع الأول ...بدأ المجلس يدرس ولم يكن هناك إسراع أو سرعة...كان المشروع قد وضع أمام أهم لجنة وهي لجنة تحرير الدستور...على أساس أن تونس هي ملكية دستورية Monarchie constitutionnelle مشروع يحمل أنها دولة القانون وتعدد الأحزاب وحقوق الانسان والحريات العامة بما أن الحزب لم يذكر (حزب الدستور)
لم تكن هناك تعليمات أن يسرع النواب بإنجاز الدستور والنص «أمر باي» ليس فيه تحديد لأجل التئام المجلس...بدأنا من 8 أفريل 1956 إلى1 جوان 1959....
هل تعتقد أن التعددية الفكرية والمرجعية الفكرية المتنوعة التي سجلت في المجلس كانت كافية للحديث عن تعددية؟
رغم أن الحزب الدستوري مسيطر على كل شيء فإن التركيبة ذاتها للجبهة وللحزب كانت فيها آراء مختلفة وكذلك من ضمن من شارك في الجبهة حجرة التجارة وحجرة الفلاحة (les chambres) هناك اختلاف بينها وبين الاتحاد العام التونسي للشغل هناك لجان أخرى تشتغل والباي مازال موجودا كمصدر تشريعي.
مثلا مجلة الاحوال الشخصية في 13 أوت 1956 حصلنا عليها وفق «أمر باي» وخلافا لما يقال فإن مجلس الوزراء، وقد قدمت المشروع شخصيا، عرف صلبه التفاوض مع بعض الشيوخ الاجلاء أي بين الحكومة والشيوخ... ولم يكن المشروع مسقطا..
والنص الأخير الذي فيه وضع حدّ لسنّ الزواج وعدم الزواج بأكثر من واحدة وقع اتخاذه داخل الحكومة و«بأمر باي».
كيف ذلك؟
الباي يجثم في قصره ويأتي صاحب الطابع في وقت فرنسا كان يطبع...وتوضع القوانين أمامه... تباعا.
إذن الباي... له بصمة في مجلة الأحوال الشخصية لم يكن ضده؟
أبدا عرضنا عليه النص وقبله أظن بورقيبة كان غائبا وقتها وذهبنا... أنا وزير العدل الطيب المهيري نائب رئيس الحكومة وعرضنا عليه المشروع (الاحوال الشخصية) قبله وأصدر الأمر «الباي».
كيف تم الانتقال من مرحلة النظام الملكي إلى نظام جمهوري... وهل كانت هناك أسرار في المسألة خاصة أنك كنت وزيرا للعدل عهد رئاسة الحكومة لدى الباي من قبل بورقيبة؟
المجلس بقي على نشاطه من 6 أفريل إلى جويلية 1957 بقي المجلس يعمل وينشط وفق النمط الذي ذكرته في جويلية 1957 (بعد عام ونيّف من التئامه) جاءت فكرة التعجيل بالنظر في شكل النظام نظام الدولة...فإلى تلك الحدود كان نظام تونس ملكي...
كيف جاءت الفكرة...وهل كانت موجودة في دماغ بورقيبة؟
لا أعرف ولا أستطيع أن أجزم... الفكرة ظهرت في ذلك الظرف جمعنا بورقيببة في جويلية 1957، وطرحها صلب الديوان السياسي...
كيف تجسمت الفكرة؟
نعود الى الخمس عوامل، التي تخص الظرف تطورت أكثر في أهميتها وفي تأثيرها على وضع البلاد... من الناحية الاقتصادية والاجتماعية كل عامل منها تطور أكثر باتجاه الخطورة، بحيث ان الحالة لم تتطور نحو الاستقرار، بل نحو التأزم والحدة...
لكن ما هو العامل الجديد الذي جعل بورقيبة يتحدث ويسرع في الحديث عن نظام الدولة وحسمه هذا ما سنراه...
بورقيبة، وحسب المحللين له خلل في سلوكه لا يستطيع ان يخفي شيئا.. المحافظة على السر، عند بورقيبة الفجئي على ان تعلن الجمهورية: هناك هاجس لدى الجيل القديم «الماطري» و«صفر» ثم جاء جيل جديد ثاني صالح بن يوسف.... ثم جيل ثالث من جيلي أنا وسي أحمد بن صالح والمصمودي... جيلي كان له دور في دعم بورقيبة وفي دعم الاصلاحات... وهو الهاجس وقتها الذي سيطر على سلوكنا.
السلطة الحقيقية أضحت بين أيدينا، والجيش والدولة بين أيدي الفرنسيين وأن هذه السيطرة هشة وأخطار وتهددنا وتهدد وجودنا فيها هو ان هاجسنا تملكنا ان تفلت الأمور من بين أيدينا، نظرا لتطور الأخطار التي ذكرتها...
والخطر الذي يفوق كل الأخطار هو الخطر الخارجي.
الخطر الخارجي يتمثل في حرب التحرير الجزائرية التي مازالت في بداياتها والجيش الفرنسي المسيطر على الجزائر أخذ من قوه نفوذه، بحيث بدأ يسيطر كجيش على الحكومة الفرنسية وقتها...
ضغط الجيش الفرنسي بحدة على الحكومة الفرنسية ولم يكن مرتاحا لاستقلال تونس والمغرب، لما تبين له أن الثورة الجزائرية لا يمكن ان تستمر الى ذاك الحين، اذ لم يكن جيش التحرير الجزائري يجد الملجأ في تونس والمغرب ثانيا أن الاعانة (السلاح) تأتيهم الى تونس والذي جسم هذا السلوك هي قضية «ساقية سيدي يوسف» وما نتج عنه من تدويل للخلاف ما بين الحكومة التونسية والحكومة الفرنسية 1958 وكان لي الشرف، بأن كنت الى جانب «سي المنجي سليم» في مجلس الامن للدفاع عن القضية التونسية.
هولاء الجنرالات الفرنسيون كانوا مصرين على تدمير قواعد وبؤر الثوار الجزائريين... لتقطع خيط المدد التونسي والمغربي، للجيش الجزائري، يقول (الجنرال الفرنسي) عندما قالوا له: الآن مجلس الأمن وأمريكا ونحن لا نريد تدمير العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تساند تونس وقتها، فقال قبل أن أخرج نحطم الدولة التونسية ونعود... المسألة مسألة 48 ساعة وقالها ملفوفة بكلام أخلاقيا غير مقبول... هذا الخطر الذي كان يهدد تونس وهو الأهم...
في ساقية سيدي يوسف القضية كانت تهم مقاومة الاحتلال... نحن لا نستطيع ان نواجه من له قواعد متفرقة ومتغلغل، أوجدنا خطة لمنعه من التحرك في المدن (الاحتلال)...
لما جاءت أمريكا: بدأت تعي بأن حرب الجزائر هي حقيقة ثانية لأول مرة تفطن الأمريكان بأنها قضية تحرر فعلي، من خلال عملية «ساقية سيدي يوسف».
عندما جاء الجنرال ديغول للحكم أول شيء قام به هو أنه بعث برقية الى بورقيبة يقول له فيها: «يكفي... وحاولوا التهدئة».
هناك عامل آخر، وأدخل به في عالم الافتراض وليصححه المؤرخون... في خصوص الوضع الداخلي الداخلي. بلغ ونحن نباشر الحكم أن بورقيبة له هاجس: «أنا وزير أول للأمين باي، ونظريا ومبدئيا وتشريعيا، للباي السلطة بعزلي.. (يتحدث عن بورقيبة) لأنه هو مصدر التشريع.... هذا الهاجس الذي كان مسيطرا على بورقيبة...
وقد بلغته (بورقيبة) وبلغنا بصفة غير مباشرة ان صالح بن يوسف، كانت له «صلة» بالقصر... قصر الباي... وبالخصو مع الشاذلي باي...
وهذا الخبر ليس مجرد تخمين.... بل هناك دلائل طيلة الفترة الأخيرة للكفاح قبيل الاستقلال وكنا ننسق مع الباي عن طريق حشاد ورفض اصلاحات «دي هوت كلوك» وقام باعلان لجنة الأربعين... وكان الزعيم فرحات حشاد، له دور أساسي في هذه العلاقة... استشهد حشاد في 5 ديسمبر 1952.. ثم عزل الملك المغربي محمد الخامس...
الباي كان محاطا بأشخاص، يقولون له ان العزل يمكن ان يطالك...
بعد ان استشهد حشاد، والباي لم يعد قادرا على اصلاحات «دي هوت كلوك»... ونحن الدستوريون انقطعت صلتنا مع الباي...
في تلك الفترة لم يقطع صالح بن يوسف اتصالاته مع القصر... كان ذلك في 1953 و1954 و1955...
العنوان الذي دخل به صالح بن يوسف للوفود الآسيوية والعربية، عندما قدم القضية التونسية في مجلس الأمن بصفته: رئيس البعثة الحكومية التونسية للخارج كوزير لدى حكومة الباي... كان له غطاء رسمي...
صالح بن يوسف كانت له اتصالات مع الشاذلي باي، كانت هناك شبه مقاربة... متقاربة...
الشاذلي باي كان له تأثير مباشر على والده، بحيث كان يحلم ان القاعدة للتوريث يمكن ان تكون ليس من الأكبر سنا الى الذي يليه سنا في العائلة بل يمكن ان تؤول من الأب لابنه.. ويشاع ربما أن صالح بن يوسف قد يكون أقدم على نوع من الصفقة... خاصة اذا أما نظرنا الى احتدام الصراع بينه وبين بورقيبة عندما رجع صالح بن يوسف في 1955، الخلاف الذي احتد: بين أنصار بورقيبة من جيلي والجيل الذي سبقنا... في آخر الأمر الكل كان مع بورقيبة، لكن في الواقع الشعبي أغلبية هياكل الحزب (جامعة تونس وجامعة صفاقس والشعب كانت مع صالح بن يوسف)... كان يقول ان الحزب هو أنا... أي الأمانة العامة... فقد كان الأمين العام...
مما يزيد صالح بن يوسف، ثقة في الحاضر والمستقبل... والشاذلي باي يهمه اقرار القاعدة الجديدة في التوريث وبالمقابل ان يعطي صالح بن يوسف الحكم...
ومما زاد في تخمين بورقيبة في هذا الاتجاه... هو الموقف الذي أخذه بورقيبة... من أن الباي قال للفرنسيين وقال بورقيبة: ان الفرنسيين قالوا للباي: «أنت نظيرنا» وبورقيبة أولها على أنها خيانة عظمى.
كيف وصل المجلس التأسيسي الى اعلان 25 جويلية 1957 (اعلان الجمهورية)؟
بورقيبة كان له هاجس، ان يخسر الحزب الدستوري الجديد، نخسر نحن الحكم..
يحب ان يعجل بما ان حكمه هش.. هناك عوامل خارجية وعامل صالح بن يوسف ساهما في العملية هذا هو تفسيري: لماذا بورقيبة قال الآن وليس غدا «اعلان الجمهورية» هذا تفسيري الشخصي، وأنا أترك للمؤرخين اما تفنيد هذه الفرضية أو تأكيدها.
اليوم تخلت الثورة عن دستور 1959... ونحن نحضر الآن لانتخابات مجلس تأسيسي (وطني) بالضرورة سوف يحمل نقاط تشابه ونقاط اختلاف مع دستور 1959، لماذ تنصح نواب الشعب في المجلس، وأنت المتابع منذ اليوم الأول بل والمنخرط في هذا المسار؟
ما أقوله: اليوم بخصوص الانتقال من الحكم الدكتاتوري السابق الى نظام دولة القانون والديمقراطية يجب ان يتم في أقرب وقت وفي ظروف صحيحة وبخطى لا تقبل التراجع الى الوراء.
بخصوص الأجل والمحتوى قبل ان نرجع الى الامثلة التي حولنا في العالم هناك المرجع الأساسي، الانتقال من الحماية الى الاستقلال الداخلي ثم الى الاستقلال التام هو مرجعنا والدروس منه نأخذها... الذي آل الى حكم بورقيبة مصلح نعم، لكن الى حكم فردي... «despotisme éclairé» والى حكم آخر الذي هو أتعس despotisme non éclairé الذي هو وريث لبورقيبة حكم سلطوي مع خرق لكل مبادئ الحكم الرشيد الاخلاق والاستيلاء على ثروة المواطن وعلى حرمة الجسد والسرقة والخطف...
ما الذي يؤدي بنا هذا الرجوع؟
الاستنتاج هو كونه اذا كان المجلس التأسيسي سيعيدنا عاجلا أو آجالا الى ما كنا بصدده في عهد بورقيبة وبن علي، فيا خيبة المسعى... واذا أدى بنا الحال الى العودة الى حكم بورقيبة وبن علي «فيا خيبة المسعى»...
يجب اتخاذ كل الوسائل القانونية، وفي تحرير النصوص، وفي المحاذير والشروط حتى تقلع من جذوره كل ما يؤدي الى الحكم الفاسد على معنى القرآن: الفساد في الأرض. هذا ليس مرتبطا بالعبارات بل في الأشخاص الذين سيتولون بناء دولة القانون والمؤسسات الفعلية.
وهنا ما يجب ان يكون ونكون حريصين على اقراره حتى يقدر المجلس التأسيسي هو أن يقوم بهذا العمل شرطان لذلك
أولا: ان يكون ممثلا للشعب التونسي تمثيلا مشروعا... يحمل سيادته وارادته بأمانة.
ثانيا: وهذا شرط يهم البشر والاشخاص الذين سيتولون هذه العملية اذا لم يكن يمثل المجلس الشعب، ليس لأنه يجب ان يكونوا موفقين هذا مفروض، أما اذا سيطرت على المجلس ارادات خاريجة أو ارادات أخرى تسيطر على ارادة المجلس، «ياخيبة المسعى كذلك... والشروط هذه: تمثيلية المجلس واختيار شخوصه، هذه مرهونة للبشر... يعني الكمال في تحريرها يتم في كيفية تطبيقها.
من الآن يقتضي الأمر ان الطبقة السياسية ومن نقول عنهم: «أهل الحل والعقد» ملقى عليها هذه المهمة «أهل الحل والعقد» يجب ان يتفقوا على صيغة للمجلس... كما نسمع الآن هناك حديث عن احتياطات... ومجموعات «للمضاربة» من قبيل ان يمكن ان تسيطر عليه فئة تيار معين...
يجب ان يفكروا في وفاق معين خاصة ان الافق تغير في مستقبل تونس ومكانة تونس في محيطها المغاربي والعربي والعالمي، من حيث انه يضرب المثل بثورتها، نجاح الثورة التونسية في هذا الامتحان، الظروف الموجودة الآن وأن انتظر في الخارج هذا التشتت الذي حثه شيء طبيعي وآخر غير طبيعي وفيه ايعاز من الخارج هي قوى ضد الثورة... لا يمكن ان تصل أعود الى أهل الحل والعقد: هناك أمور أساسية يجب الاتفاق عليها، يجب ان نجتنب كل صيغ الحكم الفردي المطلق وكذلك تجنب الوقوع من الضد الى الضد... ليس هناك حكومة مجالس منتخبة كما يشاع ان يكون الأمر...
ازالة عدم الاستقرار النيابي عوض ان يهتم المسؤولون بحل المسائل فهم يتلهون باختلافاتهم..
والتنازع حول السلطة والحكم، وحكم المجالس المنتخبة يؤدي الى هذا الأمر لابد من نظام حكم.
فيه توازن: توازن بين السلط والفصل بين السلط والفصل بين القضائية والتشريعية والتنفيذية...
في نهاية الأمر ماذا تقول؟
ما أريد ان أشير اليه: اذا كان هناك من يريد ان يحدد ماذا يفعل المجلس التأسيسي، فهذا اعتبره سابقا لأوانه يجب ان نحتاط.
يجب ان يكون ممثلا للشعب التونسي.
الشعب التونسي هو الشباب الذي قام بالثورة.
ثم المناطق المعزولة... ولست المناطق التي فيها النزل والشوارع والطرقات السيارة...
تونس الاعماق... التي من جملة ما وقع لي من ارتسام: هناك حاجز الآن بين تونس الأعماق وتونس المدن وتونس الشعارات بالنخب المثقفة والعمال... حتى الماء الصالح لا يوجد عندهم وبين المدن قرب البحر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.