لاليغا الاسبانية.. سيناريوهات تتويج ريال مدريد باللقب على حساب برشلونة    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    الاتحاد المنستيري يضمن التأهل إلى المرحلة الختامية من بطولة BAL بعد فوزه على نادي مدينة داكار    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    الأنور المرزوقي ينقل كلمة بودربالة في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي .. تنديد بجرائم الاحتلال ودعوة الى تحرّك عربي موحد    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    الإسناد اليمني لا يتخلّى عن فلسطين ... صاروخ بالستي يشلّ مطار بن غوريون    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    مع الشروق : كتبت لهم في المهد شهادة الأبطال !    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    حجز أجهزة إتصال تستعمل للغش في الإمتحانات بحوزة أجنبي حاول إجتياز الحدود البرية خلسة..    بايرن ميونيخ يتوج ببطولة المانيا بعد تعادل ليفركوزن مع فرايبورغ    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة: أمطار بهذه المناطق..#خبر_عاجل    عاجل/ بعد تداول صور تعرض سجين الى التعذيب: وزارة العدل تكشف وتوضح..    قطع زيارته لترامب.. نقل الرئيس الصربي لمستشفى عسكري    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    الملاسين وسيدي حسين.. إيقاف 3 مطلوبين في قضايا حق عام    إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص ببن عروس    الكاف: انطلاق موسم حصاد الأعلاف مطلع الأسبوع القادم وسط توقّعات بتحقيق صابة وفيرة وذات جودة    نقيب الصحفيين : نسعى لوضع آليات جديدة لدعم قطاع الصحافة .. تحدد مشاكل الصحفيين وتقدم الحلول    نهاية عصر البن: قهوة اصطناعية تغزو الأسواق    أهم الأحداث الوطنية في تونس خلال شهر أفريل 2025    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إحباط عمليات تهريب بضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120 ألف دينار في غار الماء وطبرقة.    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    أريانة: القبض على تلميذين يسرقان الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيُّها الكَذَّابون ... كُفُّوا ! : دكتور أحمد محمد المزعنن
نشر في الفجر نيوز يوم 22 - 03 - 2010

اتقوا الله ،وتأملوا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذم الكذب والكذّابين:
• عن أبي مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت ) رواه البخاري .
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ.)
• عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قَالَ إِذَا كَذَبَ الْعَبْدُ تَبَاعَدَ عَنْهُ الْمَلَكُ مِيلًا مِنْ نَتْنِ مَا جَاءَ.)
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ خَالِصٌ وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ.)
زمن إعلام الكذب والكذابين
في الساعة الثانية وخمس دقائق من بعد ظهر اليوم الأحد 21آذار (مارس) 2010م،وعلى مدار ساعة كاملة أجبرتُ نفسي على مشاهدة حلقة من برنامج "شاهد على العصر" الذي يعده الإعلامي أحمد منصور،ويقدمه من على شاشة قناة الجزيرة القطرية،وكان(ضيفه فارس حلقته)تلك واحدًا ممن التصق اسمه بأقبح ذكريات يمكن أن يحتفظ بها إنسان عن ضابط عربي،وأسوأ ما يمكن أن يُقدِم عليه إنسان في حقِّ أمته التي طعنها في مقتل لا تزال تئن من وطأة آلامه،ولن تندمل آثاره حتى يبعث الله لها من يقيلها من عثرتها،ويعيد لها اعتبارها بين الأمم،وقد ظننا أنه ومعه من اقترف هذه الجريمة النكراء،وسطروا هذه الصفحة السوداء،قد طواهم النسيان فيمن انطوت صحائفهم على مدى ما يقرب من أربعين عامًا منذ جريمة الانفصال المشؤومة في 28 أيلول (سبتمبر) عام 1961م،حتى نكأ الجرح هذا المذيع غريب الطوار ،وظهر شاهد الزور والكذب والتلفيق هذا وأعني به الضابط السوري الانفصالي عبد الكريم النحلاوي قائد ذلك الانقلاب الأسود على شاشة قناة يزعم البعض زورًا أنها من دعائم المشروع النهضوي العربي المعاصر،وهي تقدم كل يوم براهين على الخط الصهيوني اليهودي في تفسير الصراع بين اليهود الغزاة والأمة العربية المجيدة،وليس أقلها أنها رسَّخت ومعها وسائل إعلام أخرى معروفة اسم(إسرائيل،وإسرائيل)على هذه العصابات الإجرامية اليهودية،وتقدمهم تحت الشعار الخادع:الرأي والرأي الآخر.
شهود العصر:صادقون وكاذبون
ومع الاعتراف بأن هذا البرنامج استضاف(شهودًا على العصر) تمتع الكثير منهم بالشجاعة والموضوعية والصدق والترفع عن الكذب،مما يميز الرواد الحقيقيين صنّاع المواقف والأمجاد من أمثال الزعيم أحمد بن بيلا،والسيد حسين الشافعي أحد قادة ثورة 23 يوليو 1952م،والدكتور مصطفى خليل صانع أمجاد مصر الصناعية،وحتى الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميّل ،وكثيرون غيرهم،فلا عجب أن يستضيف البرنامج شهود زورٍ من أمثال عبد الكريم النحلاوي الذي سجَّل اسمه بحروف العار في تاريخ الوطن العربي بضربه أول تجربة وحدوية عربية في مقتل،وبدلاً من التوبة والاستغفار،وقد بلغ من العمر سنًا متقدمة،وكان أولى به أن ؤوب ويتبرأ مما جنت يداه في هذه السن المتقدمة،وقد بدا مصرًا على تصديق نفسه ليس بمفهم الصدق الحقيقي الذي بنبىء عن الحقيقة،بل بالمفهوم الشخصي الذي يُنتصَرُ به للذات المريضة التي قادته إلى فعل تلك الجريمة الشنعاء في 28 سبتمبر من عام 1961م.
وكان عليه لو كان إنسانًا سليمًا عاش حياة جنديٍّ عربيٍّ يفترض فيه أنه اكتسب أول صفات الجندي الملتزم وهي الشجاعة والجرأة أن يراجع نفسه في ضوء الواقع المرير الذي تعيشه الأمة التي كان أحد من كاد لها،وأهانها فهانت على أعدائها،واشترك بصورة أو بأخرى في صناعة هذه الحاضر المأساوي الذي تعاني منه،وأن يبادر إلى الاعتذار للأجيال الجديدة من هذه المة الذين لم يعيشوا سنوات العنفوان في عهد دولة الوحدة العربية:الجمهورية العربية المتحدة ما بين عامي 1958م 1961م،وقد أمعن في التزوير والتلفيق والتلبيس والإصرار على الجريمة،وقد أمعن في تلك الحلقة المستفزة في تزوير التاريخ وصبغه بصبغة انتقائية ظلامية ،فعليه الاعتذار للأمة التي طعنها في مقتل،حيث إنه كان من أبرز رموز الخيانة والعمالة ليأتي بعد هذه السنين التي ظننا فيها أن الزمان طواه مع من طواهم في ثنايا أحداثه المأساوية الكبرى التي مرت على الأمة العربية في تاريخها المعاصر،ليأتي الرجل وكله حقد دفين في إصراره على صواب ما قام به.
يكذب الكذبة ويصدقها
أكذبُ من شابٍ تَغَرّّبَ،إلا شايبٍ(شيخ كبير السن)ماتتْ أجيالُه(أي لم يبقَ من جيله من يرد عليه).
ولأن الكثير ممن كان في الإمكان أن يسفهوا ويفندوا ما رواه (الشيخ النحلاوي) من واقع وجودهم في مجال صناعة تلك التجربة الرائدة قد انتقلوا إلى جوار ربهم،وللحرص على أن يعرف الشباب ممن يخشى عليهم أن يصدقوا ما تفوه به هذا الرجل من الافتراء والتزوير،أكتفي بذكر الحقائق عن وقائع تلك التجربة الرائدة في تاريخ الأمة العربية المعاصر،ثم ما ترتب على تحطيم هذه التجربة بفصل عرى الوحدة على يد النحلاوي والكزبري وبعض الضباط والسياسيين الحاقدين،أروي للقارىء الوقائع.
تفنيد مزاعم النحلاوي
أولاً:ظروف قيام الجمهورية العربية المتحدة
1. عندما صعد نجم الزعيم العربي جمال عبد الناصر حسين المرّي العائد من حرب فلسطين،وقيامه مع إخوانه من الضباط الحرار بالثورة على الفساد في مصر في 23يوليو 1953م،وما أحدثته من آثار بعيدة في الانتصار للطبقات المظلومة،وفي تحديه للعدو اليهودي الذي حاصره في جيب الفالوجا بفلسطين عام 1948م،ثم قيادته لبداية حركة التحرير والتغيير الثقافي الشامل في مصر بإعادتها إلى أمتها العربية بعد حكم غريب عمل على سلخها عن أمتها،وتجهيل شعبها وتحكيم اليهود في قوت شعبها واقتصادها:تجارة وصناعة وزراعة وأرض وشعب،ثم تأميم قناة السويس عام 1956م،وتعرضها للعدوان الثلاثي من اليهود والفرنسيين والإنجليز،كانت سوريا آنذاك فريسة في يد المغامرين والانقلابيين من الضباط الشعوبيين المتصارعين على السلطة،وتحكمها الزعامات التي تتستر وراء قوة المذاهب الوافدة أو تستمد قوتها من خصائص اكتسبتها من اعتبارات ضيقة محصورة في مصالح تمليها الطبقة الاجتماعية في مدينة معينة،وكانت سوريا تحت ضغط كبير من أقطاب الحلف الاستعماري المعروف بحلف المعاهدة المركزية أو حلف بغداد الذي كان يجمع كلاًّ من تركيا والعراق قبل ثورة 1958م،وإيران الشاه،وباكستان،ويمارس الضغوط على سوريا عن طريق تحريك الجيش التركي على حدودها الشمالية بأمر من حلف الأطلنطي الذي تديره الولايات المتحدة،وكان الأردن على وشك الوقوع في شرك حلف بغداد لولا القيادات الوطنية التي استقوت بعبد الناصر وزعامته للدولة الجديدة على حدوده الشمالية.
2. وكان في الجيش السوري البطل في ظل هذه الظروف جماعات من الضباط الأحرار الذين تأثروا بما حدث في مصر،فاستجابوا للأحداث التي أعقبت انتصار مصر في وجه العدوان الثلاثي بأن طلبوا من القيادة المصرية تحمل مسؤولية تحقيق الحلم العربي في الوحدة،والذي كانت سوريا محضنه وقلعته الدائمة،وقد تنازل الرئيس شكري القوتلي عن الرئاسة وسلمها أمانة للرئيس جمال عبد الناصر حسين المري العربي تحت مسمى رئيس الجمهورية العربية المتحدة،ليحكم دولة عربية واحدة على هيئة وحدة اندماجية كلية تتكون من الشعبين والجيشين والدستور والاقتصاد وكافة جوانب الحياة.
3. كان شرط الرئيس جمال عبد الناصر حسين المري العربي الرئيسي لقبول الوحدة الاندماجية أن يلتزم الضباط السوريون بعدم التدخل في السياسات القومية للدولة ،وأن يعودوا إلى ثكناتهم،ويواجهوا العدو اليهودي الصهيوني المتحالف مع الاستعماريين الغربيين المتمثلين في الطامعين الجدد وهم الأمريكان الذين جاؤوا بمشروع أيزنهاور لملء الفراغ في النفوذ الغربي الذي نتج عن هزيمة كل من بريطانيا وفرنسا واندحارهما من الوطن العربي في المشرق وحصول كل من سوريا ولبنان والعراق ومصر على استقلالها،إلى جانب أن تقبل الأحزاب السورية أن تحل نفسها وتشترك في البناء السياسي القائم على التنظيم المنحاز إلى الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في أوطانها ،فقبلت هذه الحزاب ظاهريًا هذا الشرط.
4. كانت هذه الظروف هي التي مهدت لقيام الجمهورية العربية المتحدة،وكان هذا الكيان يكتسب عظمته من عظمة هامة رئيسه وزعيمه وقائده الذي ألهم الأمة كلها الشجاعة والقدرة على التحدي والعنفوان الذي جلب لها الاحترام،وأشعلت في المة العربية من الخليج إلى المحيط روحًا جديدة من التطلع إلى الأمام،ومن التقارب والارتفاع بالشعوب فوق مستوى القطرية والروابط منخفضة المستوى،وكانت قد بدأت بعد الحرب العالمية الثانية حركة استقلالية في بلاد المغرب العربي التي كانت تحت السيطرة الاستعمارية الفرنسية والإسبانية،فاستبشرت شعوب هذه البلاد بقيام هذا الكيان العظيم،واشتدت سواعدهم في مجابهة المحتلين المستعمرين لبلادهم بدعم من مصر أولاً ثم من الجمهورية العربية المتحدة فيما بعد،ذلك الكيان الذي أفشل مشروع أيزنهاور في السيطرة الأمريكية على منابع النفط والمعابر البحرية والمناطق الاستراتيجية مواجهة المنافس الخطير المتمثل في الاتحاد السوفييتي السابق.
ثانيًا: أنظمة دولة الوحدة تكذب النحلاوي
1. الوحدة الاندماجية التي قبلها الجيش السوري والأحزاب السورية ودفع إليها الشعب السوري البطل بكل مكوناته قامت على أنظمة مدنية وعسكرية على اعتبار أن الإقليمين دولة واحدة،وحينئذ لا ينبغي أن نحاكم أي نظام من هذا النوع على وقائع وحوادث صغيرة محدودة من قبيل ما ذكره هذا الضابط المتمرد هو من ركب موجة الانفصال.
2. إن ما كان يتم في الدولة من خلال تنظيم الأوضاع لمواجهة عمليات البناء ،والتأسيس لمواجهة العدو اليهودي المتربص كانت تتم في إطار بناء الدولة على أنقاض أوضاع ورثتها من العهد الاستعماري وزمن الفوضى الذي ساد ما قبل الوحدة من الانقلابات والتحزب الضيق وتصارع المصالح المرتبطة بالخارج كالحزب الشيوعي الذي رفض زعيمه خالد بكداش الوحدة وهرب إلى تشيكوسلوفاكيا،أو حزب البعث بزعامة الحوراني الذي كان من اليوم الأول يعمل في الخفاء ضد الوحدة،إلى جانب الإقطاعيين وكبار الطبقات المستغلة التي كانت تحتكر الناتج القومي من الطبقات الرأسمالية كأصحاب الشركة الخماسية.
3. ما الذي يمنع نقل ضباط من القطر السوري إلى القطر المصري،أو نقل ضباط من القطر المصري إلى القطر السوري وهما جيش واحد،وكل ما ذكره النحلاوي كذب في كذب صريح وظفه لتبرير فعلته الإجرامية في حق أول كيان عربي وحدوي.
4. وكذلك الأمر بالنسبة لمزاعم نقل الذهب من سوريا إلى مصر،وقد اختار الشعبان وقيادتهما القاهرة لتكون عاصمة الدولة الموحدة،فماذا كان ينتظر النحلاوي من دولة موحدة؟أن تستأذنه وهو وأمثاله في اتخاذ القرارات العليا التي أؤتمن عليها القائد العظيم جمال عبد الناصر.
5. الكذبة الكبرى:أنه كان هو والعملاء الذين جندهم لم يكن هدفهم الانفصال النهائي،بل المطالبة بإصلاح الأوضاع.هذه فرية يعلم هو نفسه تمامًا كذبها لو كان يمتلك الشجاعة الكافية للاعتراف وقد بلغ من الكبر عتيًّا،فلو كان جديرًا بالمنصب الذي كان يشغله لما خان الأمانة التي أوكلت إليه في موقعه القريب من القيادة،وهو يعلم الصراعات التي كانت تخوضها الدولة الجديدة التي تجسد أحلام المة العربية كلها،بينما هو يحيك الأحابيل لتجنيد أمثاله من أصحاب الهواء والمصالح،وكان حريًا به أيضًا أن يؤدي واجبه في الدولة التي ينتمي إليها بدلاً من تسقط الزلات وتجميع الحجج للتآمر على طعن قيادتها،ثم يأتي ليلصق بقائدها الزعيم الخالد فرية أنه هو السبب في الانفصال،فمن يريد النحلاوي أن يصدقه في هذا الكلام الذي يناقض الواقع الذي تسارعت وتداعت أحداثه نتيجة لجريمته النكراء؟
ثالثًا:كل ما جرى للأمة كان بسبب جريمة الانفصال
1. إن التفكير العلمي الذي يعتمد على التحليل العلمي الصحيح القائم على ربط السبب الحقيقي بالنتيجة ربطًا منطقيًا ضروريًا،ويتخذ من استقراء الوقائع التجريبية للبرهنة على صدق الاستنتاجات،هذا النوع من التفكير الاستقصائي يثبت بما لا يدع مجالاً للشكل أن جريمة الانفصال هي التي أججت الصراعات الإقليمية وقوت الخط المعادي للخط الناصر الوحدوي التحرري،وهي التي ربما كان لها الدور الفعال فيما عرف عقب الانفصال بالقرارات الاشتراكية وفرض الحراسة على شخصيات معينة؛خشية مما عرف في ذلك الوقت بعناصر الثورة المضادة في مصر الذين أخذوا يتحفزون للانقضاض على إنجازات ثورة يوليو.
2. إن هذه الجريمة النكراء هي التي تركت جرحًا غائرًا في الجماهير العربية التي هالتها حالة الصدمة في فشل أول تجربة جسدت تاريخ نضالها ضد المستعمرين والطبقات الموالية لهم والتي أقامتها في الأقطار العربية حديثة الاستقلال ،وتركتها كحليف محلي لها.
3. وهي التي أفقدت المثقفين والنخب القدرة على الاستمرار في الحلم والعمل باندفاع على تحقيقه كما حدث ويحدث في كل أمة يكون لها مشروع نهضوي وحدوي كألمانيا الت يقادت مملكة بروسيا وحدتها،وكأمريكيا نفسها التي قادت مشروع استقلالها ولايات الشمال الشرقي في نيوإنجلند.
4. وهذه الجريمة التي يصورها النحلاوي كاذبًا بأنها عملية تصحيحية ربما هي التي دفعت عبد الناصر بقبول التورط في اليمن وأوكل أمر إدارة التورط لخليفته السادات وما جرته حرب اليمن من أحداث استنزفت الجيش المصري، وجعلته في موقف رد الفعل الذي لم يمكنه من مواجهة الظروف التي أدت هزيمة 1967م.
5. وهذه الفئة من السياسيين الخونة والضباط العملاء وفي مقدمتهم النحلاوي والكزبري وتوابعهم من ضباط منطقة دمشق هم الذين مهدوا لمسرحية استدراج مصر إلى إغلاق مضائق تيران،والطلب من قوات الطوارى الدولية بإخلاء مواقعها على الحدود مع اليهود في سيناء وغزة،نتيجة للدعاية السوداء التي لوثوا بها سمعة هذا البطل العظيم،وهم أيضًا وبلا مواربة الذين تسببوا في هزيمة عام 1967م.
6. ولسنا في حاجة إلى التذكير بما ترتب على هذه الهزيمة النكراء التي كسرت ظهر الجيش المصري،وكلفته الكثير،وأقنعت الرئيس عبد الناصر أن يعمل منفردًا لبناء القوات المسلحة ،مما جعله يتحمل ما لا تطيقه الجبال ،وانتقل إلى رحمة الله في نفس ذكرى الانفصال 28 أيلول (سبتمبر ) 1970 م ،ذلك الشهر الذي أثمر أول ثمرة خبيثة نتج عنها تأجيج الفتنة بين الجيش الأردني وإخوانهم في المقاومة الفلسطينية ،وتحطيم المقاومة الفلسطينية في الأردن وحصرها تدريجيًا في الجولان،ثم في لبنان،ثم بعدما رحل ملهمها وقائدها وحاميها وراعيها استسلمت لمشاريع تصفية قضيتها من الأنظمة التي دعمت الانفصال ذات يوم واحتضنته،وحُشرت مصر مضطرة في قيود اتفاقيات كامب ديفيد.
7. وهي التي حملت لنا زمرة الكذابين وألصقتهم بالشعب الفلسطيني تحت زعم (كل واحد يقلع شوكه بإيديه) وتأسيًا بما فعل الانفصاليون الذين ملؤوهم يأسًا وحطموا قوتهم فن وكسروا ظهورهم من الخلف وآذوهم أكثر مما آذاهم اليهود الذين انهزموا أمامهم ،فاختاروا أهون العدوين بدافع اليأس والخذلان والانكسار،وليس ذلك بعذر،ولكنه تصوير لبعض الواقع.
ويا سيد نحلاوي ويا من بقي حيًا من تلك الزمرة: هذه الحصون أمام أعين الجميع تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، دون أن يبدو في الأفق أي أمل في التصدي للمشروع الصهيوني الذي كانت الجمهورية العربية المتحدة وقائدها العظيم أعظم طود في وجهه لولا أن الانفصاليين بقيادة النحلاوي حطموه وكشفوا بذلك ظهر الأمة لعدوها المتربص بها.
وأخيرًا أيها السيد عبد الكريم النحلاوي :
o هل حقيقة تشعر في أعماقك أنك قمت بما كان ينبغي عليك القيام به ؟
o وهل أنت صادق مع نفسك في زعمك أن الزعيم عبد الناصر هو الذي تسبب فيما قمت بها من جريمة نكراء أنت ومعك؟
o وهل إنك لم تقم بمراجعة دقيقة بينك وبين نفسك تعرفت من خلالها على أنك كنت سببًا من بين الأسباب التي أدت إلى هذا الواقع الذي تعيشه الأمة التي طعنتها في أهم منجزاتها؟
o ثم أفلا راجعت نفسك قبل أن تقابل خالقك الذي يعلم خائنة الأنفس وما تخفي الصدور ؛فتعترف بأن الأمور كانت ستكون أفضل بكثير لأمة العرب والمسلمين لو لم ترتكب هذه الجريمة في حقهما،بدلاً من الإصرار على الخطأ والكذب الصريح؛لأنك متأكدمن أنه لا يوجد من المعاصرين لك من سيرد عليك؟
o ولماذا تركت هذا المذيع الحاقد على عبد الناصر يبتزك ويستثير فيك الحمية الكاذبة للخطأ الذي قمت به؟
هذا والله أعلى وأعلم ،وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمن.) (يوسف 21)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.