لا تشبه غيرها من المستشارين السابقين في شيء... هي أول امرأة في ألمانيا تتولى هذا المنصب.. من بين كل الذين سبقوها منذ الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار حائط برلين.. هي الوحيدة التي عاشت في ألمانياالشرقية ووصلت الى الحكم في سن الواحدة والخمسين أي بعد 15 عاما فقط من «اقتحامها» الحقل السياسي.. الوحيدة التي استطاعت دون مساعدة من أحد تقريبا أن تكسب معركة ز عامة الحزب لتتربع في 22 نوفمبر 2005 على هرم السلطة في بلادها الى أن أعيد انتخابها لولاية ثانية في السابع والعشرين من سبتمبر الماضي.. تلك هي أنغيلا ميركل المرأة التي ترعرعت بين أحضان «الشرق السياسي» الذي لم يلقنها اللغة الروسية فحسب وإنما علمها أيضا كيف تئد أفكارها وتكتم أنفاسها حين يتعلق الأمر بمستقبلها السياسي.. هذا الشرق الذي فشل في تدجينها وهي الشغوفة والمولعة منذ صباها بأفكار الغرب وبالكتب وسراويل «الجينز» التي كانت تأتيها من ألمانياالغربية على الرغم من التوتر السياسي الذي ساد في تلك الفترة بين شطري ألمانيا التي نجح مواطنوها في إذابة الجليد بفضل حرارة الشوق التي كسرت كل القيود بعد أن أعلنوا ذات صباح لمّ الشمل وإسقاط جدار برلين في نهاية الثمانينات. هذا التاريخ الذي تزامن مع بدء مشوارها السياسي في الخامسة والثلاثين من العمر، حيث أنها ومن مجرد نائبة للمتحدث الرسمي لآخر حكومة في شرق ألمانيا وصلت الى الحكم لأول مرة في انتخابات ديمقراطية ومن ثم الى وزيرة للمرأة والشباب ثم البيئة في حكومة المستشار هلموت كول الى أن فاجأت العالم في 22 ديسمبر عام 1999 برسالة نشرتها على الملإ تطالب فيها المستشار هلموت كول بالاستقالة على خلفية تورطه في أشهر فضيحة مالية للحزب لتفوز بعد ذلك بزعامة الحزب الديمقراطي المسيحي وتصبح سيدة ألمانيا الأولى.. وبنفس سرعة ترقيتها في مشوارها السياسي كانت قدرتها على فرض نفسها على الساحة الدولية ففي أقل من شهر واحد من وصولها الى الحكم نجحت ميركل في إحداث مصالحة تاريخية كبيرة بين الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ورئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير حيث توصلا الى اتفاق حول الأسلوب الأمثل لتمويل الاتحاد الأوروبي مما كشف عن موهبتها كمفاوضة تتمتع بقدر كبير من التصميم والقدرة على الاقناع.. وما هي إلا أسابيع قليلة على هذه المصالحة حتى كان لقاؤها بالرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في واشنطن لتتحدث معه دون مواربة أو تردد عن ضرورة إغلاق معتقل غوانتانامو لتتوجه في ما بعد الى موسكو حيث كان حديثها الصريح مع الرئيس فلاديمير بوتين عن حقوق الانسان أما عن علاقاتها مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فإنها تدور بشكل جيد رغم الاختلاف في شخصيتها... اختلاف ينعكس بصورة بوضوح من خلال طريقة كل منهما في التعبير عن أفكاره... ففي حين يستخدم ساركوزي كتفيه يمينا ويسارا ويستخدم الحجج على طريقة المحامين، كما يصفه أحد المحللين، فإن ميركل تكتفي بابتسامة وبالوقوف باستقامة بينما تحرّك ذراعيها في خطوط طويلة وعرضية كما لو أنها ترسم رسوما بيانية للتعبير عما يدور في رأسها من أرقام وبيانات... «براعة حسابية» يبدو أن سرّها يعود الى تخصصها في الفيزياء التي درستها في جامعة كارل ماركس بعد حصولها على شهادة الباكالوريا عام 1973... لقد تجاوزت أنغيلا ميركل أو «الصبيّة» مثلما كان يفضّل أن يلقّبها سلفها هلموت كول، العديد من الحواجز التي نصبت لها حتى تمكنت من نحت مكان بارز لها في الساحة السياسية الالمانية وها هي اليوم تلج الباب الذي حلمت به بعد أن فتح على مصراعيه لاستقبالها... للمرّة الثانية في حكم ألمانيا... لقد أطلقت عديد الالقاب والتسميات على انغيلا ميركل... «فقد توجتها مجلّة «فوربس» بوصفها أقوى امرأة في العالم» في عام 2008... كما وصفتها مجلة «دي زيت» الالمانية ب «الجوهرة» بسبب قدرتها الخارقة على «المقاومة» والتموقع في ساحة سياسية غالبيتها من الرجال بعد أن ساعدها شكّها المتواصل وعدم ثقتها في الآخر بطبيعتها كامرأة، على التجديف بكل ما أوتيت من قوّة ضد التيارات التي حاولت النيل منها... ولعل أبلغ وصف يمكن أن يلخّص شخصية «أنغيلا» هو ما قاله أحد المصوّرين ممن عملوا مع جميع مستشاري ألمانيا السابقين حيث قال «عندما كنت أنظر الى بروفات الصور الفوتوغرافية لأنغيلا ميركل اكتشفت شيئا لا يصدّقه عقل فالجانب الايمن من وجهها مختلف تماما عن الجانب الأيسر». هذه المقولة يصدّقها الكثير من المراقبين الذين يرون فعلا أن لميركل وجهين..وجه ممل ويفتقد للحرارة كما يقول أحدهم... ووجّه آخر «تحضر» به في المناسبات والذي يبدو لامعا وساخرا بل وغريبا خاصة عندما تقوم بمحاكاة بعض القيادات السياسية التي تلتقيها... «وجهين»... قد يكونان هما «كلمة السر» في وصولها للحكم مرّتين... انها حقّا «الرجل الوحيد في الحزب الديمقراطي المسيحي الالماني» كما وصفها أحد الصحافيين الالمان ذات يوم.