تتقاذفها المصاعب والمتاعب من كل جانب.. وتحاصرها الاتهامات والضغوطات من كل الاتجاهات.. فقد أنهكتها الأزمة المالية.. ولم تنجح خطة التقشف التي سنتها لاحتواء الأزمة في تضميد جراحاتها وفي اخفاء بعض من تجاعيد «وجهها السياسي» الذي زاد «تشوّها» بعد فوز «خصمها اللدود» في الحزب الديمقراطي المسيحي كريستيان فولف ب«الرئاسة».. وحتى منتخب «المانشافت» الذي راهنت عليه طويلا للتغطية على وضعها السياسي المتآكل ولاستعادة جانب من إشعاعها لم يحقق لها الرهان.. بعد أن مني بهزيمة في نصف نهائي «المونديال» أمام «الثيران الاسبان».. وجاءت هذه الهزيمة لتزيد من أتعابها السياسية.. والصحية أيضا.. ولكن هذه السيدة العجوز.. لا تزال تأبى السقوط.. فهذه «المرأة الحديدية» كما يسميها الألمان يبدو أنها ضربت حولها ستارا حديديا يصعب اختراقه.. والنيل منها.. لكن يبدو أن أحداث حياتها هي «كلمة السر» في كل ما يجري ذلك أن هذه المرأة ترعرعت بين أحضان الشرق الشيوعي الذي لم يلقنها اللغة الروسية فحسب وإنما علّمها أيضا كيف تئد أفكارها وتكتم أنفاسها حين يتعلّق الأمر بمستقبلها السياسي.. هذا الشرق الذي فشل في «تدجينها» وتذويبها وهي الشغوفة منذ صباها بأفكار الغرب وبسراويل «الجينز» التي كانت تأتيها من ألمانياالغربية على الرغم من الأزمة السياسية التي كانت سائدة في تلك الفترة بين شطري ألمانيا التي نجح مواطنوها للأبد في إذابة الجليد بفضل حرارة الشوق التي حطّمت كل القيود والتي أسقطت في النهاية جدار برلين في التاسع من نوفمبر عام 1989 عندما اتخذت السلطات الشيوعية قرارها الذي أدى إلى هدم جدار برلين في موقع بارز من الحدث فأستاذة الفيزياء التي لم يكن عمرها يتجاوز الخامسة والثلاثين آنذاك كانت في طليعة من تجاوزوا السور من أبناء ألمانياالشرقية إلى الجانب الغربي.. تسترجع ميركل تلك الأيام قائلة بأسلوبها الواقعي الهادئ «ذهبت للساونا كعادتي كل خميس.. عندما عدت إلى المنزل سمعت أن الحدود مفتوحة فهرعت إلى هناك وعبرت للجانب الغربي مع آلاف الأشخاص».. وقبل أن تعود إلى منزلها على الجانب الشرقي في وقت متأخر من الليل.. كانت أسرة بشوشة من برلينالغربية قد دعتها لاستضافتها في شقتها ودفعوا لها بزجاجة جعة غير مدركين ان من تجلس بينهم هي من ستقلد قيادة البلاد في المستقبل. لقد أصبحت «الصبية» مثلما يفضل أن يلقبها هلموت كول مستشارة في الثاني والعشرين من نوفمبر عام 2005 وعمرها 51 عاما.. وهذه مرحلة جديدة في مشوار قلّما يتكرّر لأوّل امرأة تعهد لها مهمة إدارة ألمانيا كلها فهي فيزيائية والابنة الكبرى لقس لوثري، متدينة ومتزوجة مرتين وهي بلا أولاد.. ولا تنكر ميركل حتى هذا اليوم أنها كسبت من المستشار «كول» خصالا كثيرة منها كيفية ترويض الأعداء والخصوم بالحجة أو بوسائل أخرى إذا ما احتاج الأمر لكنها في نفس الوقت تعتقد أن قوتها في ضعفها.. وهي لا تصرّ على سماع التفاصيل إذا كان ذلك يخدم النتائج النهائية والكاملة كما تقول فالمهم عندها أن تطرح الأسئلة المهمة وتترك من أمامها ينهي حديثه لتنتقي منه فقط ما يخدم مصلحتها.. وتحلّل ميركل كل الأمور بأعصاب باردة وبعيدا عن الانفعالات لكن من عاداتها عند مواجهة الأمور المعقّدة الضرب على الطاولة. ولكي لا توصم ميركل بلقب «فتاة المستشار كول» لم تكتف بشن هجوم عنيف على «والدها الروحي» بعد فضيحة التبرعات المالية التي اتهم باخفائها عن الحكومة لصالح حزبه بل كتبت في مقال لها إنه ألحق العار بالحزب قبل أن تزيحه جانبا وتمسك بزمام أمور المستقبل.. بيدها.. لقد جمعت أنجيلا ميركل، الكثير من الألقاب والتسميات التي أطلقتها عليها وسائل الاعلام فقد أطلق عليها هيلموت كول لقب «الصبية» و«البنت التي تقوم بكل شيء» نسبة إلى مشوارها داخل الاتحاد المسيحي الديمقراطي.. كما وصفتها وسائل الاعلام الألمانية ب«الفأرة الرمادية» لأنها «لا تضيء بلمعان خاص» لكن اللقب الأشهر الذي أطلق عليها «ماغي ميركل» نسبة إلى أولئك الذين يرون فيها صورة من مارغريت تاتشر.. ولم تسلم ميركل أيضا من بعض المقارنات مع نظرائها من الرجال على الساحة السياسية الألمانية حتى أن أحد الصحفيين نعتها بأنها «الرجل الوحيد في الحزب الديمقراطي المسيحي».. ومع أن مثل هذا الوصف أغضب ميركل فإنها تظل جديرة بهذا الوصف على الأقل بسبب يمكنها من التموقع في ساحة سياسية غالبيتها من الرجال بعد أن ساعدها شكها المتواصل وعدم ثقتها في الآخر بطبيعتها كامرأة على التجديف بكل ما أوتيت من قوة ضدّ التيارات التي حاولت النيل منها.. فهل تواصل الصمود وتكسب الرهان.. أم أنها ستلقى مصير «المانشافت» الألمان؟