القاهرة «الشروق» متابعة حبيبة عبد السلام: حوار مهم أدلى به المؤرخ العسكري الاسرائيلي أوري ميلشتاين لإذاعة اسرائيلية «أورشليم الجديدة» بمناسبة حلول ذكرى حرب أكتوبر، وعيد الغفران اليهودي يعترف ميلشتاين خلال الحوار بهزيمة اسرائيل في حرب أكتوبر، ويؤكد ان هذه الهزيمة دفعت الجيش الاسرائيلي الى الإصرار على عدم الكشف عن جميع الوثائق المتعلقة بهذه الحرب، منها المحادثات التي دارت بين قيادات هيئة الأركان، وسجلات سلاح الإشارة الاسرائيلي، وشهادة آرييل شارون، الذي قاد الفرقة العسكرية الاسرائيلية التي عبّرت الى شرق القناة في محاولة لاحتلال مدينة السويس ثم حوصرت فيما عرف عسكريا، بثغرة الدفرسوار، وقد أدى إخفاء هذه الوثائق الخطيرة الى منع إسرائيل من فرصة استيعاب جميع الدروس المستفادة من حرب أكتوبر على حد قوله رغم مرور 36 عاما على نشوبها.. ومازال المعروف عن حرب أكتوبر لدى الرأي العام الاسرائيلي أقل بكثير من غير المعلن على حد قوله ايضا. ويعد الدكتور أوري ميلشتاين هو المؤرخ العسكري بسلاح المظلات الاسرائيلي، وتمكن بفضل وظيفته الحساسة من الاطلاع على الأرشيفات السرية والوثائق السرية للغاية داخل الجيش الاسرائيلي. وقد شارك في ثلاث حروب اسرائيلية ضد مصر، بدءا من حرب 1967، ومرورا بحرب الاستنزاف، ونهاية بحرب أكتوبر. وقد أعد دراسة مشهورة عام 1974 عن معركة البحيرات المرّة التي تعرضت خلالها اسرائيل لهزيمة منكرة أثناء حرب أكتوبر، وكشف فيها ان الجيش الاسرائيلي منح عددا من مقاتليه الذين شاركوا في هذه المعركة أوسمة استحقاق دون وجه حق. وقد أصدرت المحكمة العليا الاسرائيلية عام 2006 حكما لصالحه، أكدت في حيثياته صحة جميع المعلومات التي استند إليها في دراسته النقدية. كما نشر د. ميلشتاين أكثر من 17 مؤلفا عسكريا يتناول شتى حروب اسرائيل بالتأريخ والتحليل والنقد القاسي الذي يعيب على الثقافة الاسرائيلية خشيتها الدائمة من تسديد ضريبة الدماء الناتجة عن المشاركة في الحروب المختلفة. وفي ما يلي اهم ما كشف عنه هذا المؤرخ العسكري. تطرق المؤرخ العسكري الاسرائيلي بالخصوص الى الجدل الدائر في اسرائيل حتى الآن، والاتهامات الموجهة الى رئيسة الوزراء السابقة غولدا مائير، ووزير دفاعها موشي ديان بالتقصير، نتيجة اتخاذهما قرارا بمنع القوات الجوية الاسرائيلية من توجيه ضربة استباقية للجيشين المصري والسوري قبل اندلاع حرب أكتوبر بساعات، مما تسبب في خسائر اسرائيلية فادحة طوال أيام الحرب. في غير محلها وأكد المؤرخ أن هذه الاتهامات ليست في محلها، لأن سلاح الطيران الاسرائيلي لو بادر، وقتها، بتنفيذ ضربة استباقية لكانت طائراته ستتساقط بالعشرات من صواريخ الدفاع الجوي المضادة للطائرات التي كانت بحوزة المصريين والسوريين، ولم يكن لدى اسرائيل أي وسيلة للتعامل معها أو تفاديها في هذه الفترة. وأوضح أوري ميلشتاين أن «قيادات الجيش الاسرائيلي مازالت تدعي أنها لو كانت قد حصلت على موافقة غولدا مائير وموشيه ديان بتوجيه ضربة استباقية للقوات المصرية، كانت نتيجة الحرب ستختلف تماما، لكن الأبحاث العسكرية تؤكد أن هذا الادعاء غير صحيح جملة وتفصيلا، لأن سلاح الطيران الاسرائيلي لم تكن لديه القدرة على تحديد الصواريخ المضادة للدفاع الجوي التي امتلكها العرب، وإذا بادر سلاح الطيران الاسرائيلي بالهجوم، كان سيتعرض لضربة قاصمة، وكانت اسرائيل ستخسر الحرب قبل أن تبدأ مشيرا الى قول قائد سلاح الطيران الاسرائيلي وقتها بني بيليد: «إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فلن نتمكن من الدفاع عن المجال الجوي الاسرائيلي». وهذه الخسائر الفادحة التي لحقت بسلاح الجو الاسرائيلي حدثت رغم اشتراكه في الحرب فور اندلاعها،.. «وأعتقد أننا لو كنا وجهنا ضربة استباقية لكانت النتيجة أنهم لن يتمكنوا من الدفاع عن المجال الجوي الاسرائيلي قبل أن تندلع الحرب نفسها». اسطورة اسرائيلية وفي ما يتعلق بثغرة الدفرسوار، قال ميلشتاين، إن الثغرة هي أسطورة اسرائيلية تستند الى افتراضات خاطئة، ومع ذلك فقد انتشرت، وتناقلها الباحثون، وخلقوا من خلالها مجموعة من الأساطير والقصص الوهمية حول شجاعة اللواء آرييل شارون، وتمكنه من إنقاذ رقبة اسرائيل خلال حرب أكتوبر، لكن الحقائق العسكرية تؤكد أن عبور القوات الاسرائيلية بقيادة شارون الى شرق القناة كانت خطوة غير ضرورية وغير مفيدة من الناحية العسكرية، لأن المصريين حققوا جميع أهدافهم في اليومين الأول والثاني لنشوب الحرب. ولو كانت اسرائيل تستطيع، حقا، الانتصار على مصر في الحرب، كان من الضروري أن تهاجم الجيشين الثاني والثالث اللذين انتشرا داخل شبه جزيرة سيناء، وأن تردهما الى مواقعهما غرب القناة. ويقول المؤرخ العسكري الاسرائيلي: هنا يبقى السؤال، لماذا عبر الاسرائيليون قناة السويس في العملية التي عرفت بالثغرة؟ والاجابة هي أن الهدف الوحيد من الثغرة كان رفع معنويات الاسرائيليين، واستعادة جزء من كرامتهم التي أهدرت في الحرب، وهي خطوة لا بأس بها، لكن من غير المفيد تضخيمها، والنفخ فيها». ويضيف: «إذا نظرنا الى عملية الدفرسوار، سنكتشف أنها خطة عسكرية سيئة، ووقعت أخطاء كثيرة وفادحة أثناء تنفيذها، وكان شارون وزملاؤه من القادة الاسرائيليين مسؤولين مسؤولية تامة عن هذه الأخطاء. وهناك جدل واسع في اسرائيل حول جدوى الثغرة، لكن أنا على الأقل أنتمي الى مجموعة من الباحثين والمؤرخين العسكريين، تعتقد أن شارون لو لم يخالف الأوامر العسكرية الصادرة عن قياداته المغيبة عن الواقع، فلم تكن الثغرة لتتحقق». ويتابع: «أحب أن أؤكد مجددا أن الثغرة لم تنقذ دولة اسرائيل، الثغرة أعادت فقط بعض الشعور بالكرامة، وأتاحت لنا أن نزعم أننا انتصرنا في الحرب، لكن هذا كذب وتلفيق، لأن المصريين حققوا أهدافهم، والمنتصر هو الذي يحقق أهدافه». وأوضح ميلشتاين أنه يعرف أن كلامه لن يعجب زملاءه في الجيش الاسرائيلي الذين شاركوا في حرب أكتوبر، والرأي العام الاسرائيلي الذي يعتقد أن اسرائيل انتصرت في حرب أكتوبر، أو على الأقل، حققت التعادل، لكن الحقيقة التاريخية تفرض على الباحث الأمين أن يقول إن من يحقق أهدافه في الحرب هو المنتصر. فالانتصار في الحرب يعني تحقيق الأهداف العسكرية المحددة سلفا. وقد حقق المصريون أهدافهم من حرب أكتوبر في اليومين الأول والثاني، ففي مجال كرة القدم مثلا إذا أحرزت 5 أهداف، وأحرز الفريق المنافس 10 أهداف، فقد تعرضت لهزيمة منكرة، ولن تصعد للمونديال. غير قادرين على المواجهة وردا على سؤال حول قدرة اسرائيل على الصمود في مواجهة مصر إذا اندلعت حرب أكتوبر جديدة، قال أوري ميلشتاين: «ربما تستطيع اسرائيل أن تصمد في حرب من هذا القبيل، إذا لم يكتو المواطنون المدنيون في اسرائيل بنيران الحرب، خاصة أن حرب أكتوبر الأولى كانت بين جيشين، وإذا دارت حرب جديدة بين جيشين قد تصمد اسرائيل، لكن الحقيقة أن حرب أكتوبر المقبلة لن تكون كسابقتها، بل ستكون عبارة عن خليط بين المعارك العسكرية التي تدور في ميادين القتال، وبين دروس حرب لبنان الاخيرة التي شهدت ضربات صاروخية موجهة للتجمعات السكانية والمدن في اسرائيل. وإذا تعرض المواطن الاسرائيلي لضربات صاروخية تسببت في اصابات بالغة، فإنني لا أعتقد أننا سنصمد في هذه الحرب. فمشكلتنا الأساسية تكمن في الثقافة الاسرائيلية، وطريقة تفكير الجمهور الذي يعتقد أن سلاح الطيران المتطور قادر على حل جميع المشكلات. لكن في اللحظة التي نواجه فيها مقاتلين شرسين، يتمتعون بالاصرار والعناد وعلى استعداد للتضحية بأرواحهم للايقاع بالفيل الضخم، فإننا لا نقدر على المواجهة، خاصة أننا نشأنا في ظل ثقافة الصراخ والبكاء المستمر، وهي ثقافة لا تتناسب مع هذا النوع من الحروب الذي قد يشهد وفود آلاف الخلايا الانتحارية القادمة لتنفيذ عمليات ضخمة في العمق الاسرائيلي. «جنون» ديان وفي نهاية حواره مع الاذاعة الاسرائيلية، اتهم المؤرخ العسكري وسائل الاعلام الاسرائيلية بتلفيق قصص انتصار اسرائيل في حرب أكتوبر، وحكى قصة تروي لأول مرة عن أداء وسائل الاعلام الاسرائيلية ووزير الدفاع الاسرائيلي موشي ديان أثناء اليوم الثالث من حرب أكتوبر. قال فيها: «في اليوم الثالث من الحرب جمع موشيه ديان رؤساء تحرير الصحف الاسرائيلية، وقال لهم يجب ان نبلغ الشعب بالحقيقة. وقد قررت أن أظهر في التلفزيون، واعترف بسقوط خط بارليف، وبهزيمة اسرائيل». وعندئذ جن جنون رؤساء وتحرير الصحف، خاصة رئيس تحرير هآرتس عاموس شوكين، ورئيس تحرير معاريف، وانطلقوا الى مكتب رئيسة الوزراء غولدا مائير، وهم يصرخون» «أنقذينا، أنقذينا، موشيه ديان أصيب بالجنون، يجب منعه من الاقدام على هذه الخطوة. وتطوعت غولدا مائير لمشاركتهم في صناعة الأكاذيب، وعدم مواجهة الشعب بالحقائق».