غازي معلّى : ثبات إيراني، تردّد أمريكي، وعجز إسرائيلي    الأستاذ الجامعي معز السوسي: قراءة متفائلة للمؤشرات الاقتصادية رغم المخاطر العالمية    منزل بورقيبة: أمطار غزيرة تفضح اهتراء البنية التحتية ...    طهران: ننصح واشنطن بأن تختار بين وقف العدوان أو أن تبقى متفرّجة    قيس سعيد: يجب إعادة هيكلة عدد من المؤسّسات التي لا طائل من وجودها    رئيس الدّولة: حرب التحرير التي يخوضها الشّعب التونسي في الدّاخل يجب أن تكون مشفوعة بعمل دبلوماسي مُكثّف    قيس سعيد: يجب توفير كلّ الوسائل اللاّزمة للمجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم لتقوم بدورها    عاجل: قافلة الصمود تعود إلى تونس    ضرر كبير في أحد مستشفيات الاحتلال. وتسرب مواد خطيرة (فيديو)    عاجل: الإعلان الرسمي عن قائمة المترشحين لهيئة النادي الإفريقي    طقس اليوم: انخفاض في درجات الحرارة وأمطار بهذه المناطق.. #خبر_عاجل    محرز الغنوشي: ''الحمد لله على الأجواء الفرشكة..كلو ولا الشهيلي''    هجوم صاروخي كبير على تل أبيب وبئر السبع    بلومبيرغ: واشنطن تستعد لاحتمال توجيه ضربة لإيران خلال أيام    جيش الإحتلال يعلن اغتيال قائد مدفعية "حزب الله"    كأس العالم للأندية: العين الإماراتي يسقط أمام يوفنتوس بخماسية    كأس العالم للأندية : هزيمة قاسية للعين الإماراتي على حساب جوفنتوس (فيديو)    كأس العالم للأندية: سالزبورغ يتصدر محموعته بفوز صعب على باتشوكا    تشكيلة العين الإماراتي ضد يوفنتوس الإيطالي    الخارجية الإيرانية.. قادرون على مواجهة العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركيا    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    لجنة الاشراف على الجلسات العامة والمنخرطين بالنادي الافريقي - قبول القائمة الوحيدة المترشحة برئاسة محسن الطرابلسي    تونس – مصر : نحو شراكة معززة في قطاع الصحة    نابل...وفاة طفلة غرقا    وزارة التعليم العالي تفتح مناظرة لانتداب 225 عاملا..التفاصيل..    اليوم انطلاق مناظرة ''النوفيام''    صندوق الضمان الاجتماعي ينفي    توجه لاستعمال الحافلات الكهربائية    فرْصَةٌ ثَانِيَةٌ    الإعلاء    سأغفو قليلا...    محمد بوحوش يكتب: عزلة الكاتب/ كتابة العزلة    الإعلان عن المتوجين بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    معهد باستور: تراجع مبيعات لقاح السل وتوقف بيع الأمصال ضد لسعات العقارب ولدغات الأفاعي وداء الكلب    بطولة العالم لكرة اليد تحت 21 عاما - المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره السويسري 31-41    شركة "إيني" الإيطالية تعزز استثماراتها في قطاع المحروقات بتونس    من جوان وحتّى سبتمبر 2025: الشركة التونسيّة للملاحة تبرمج 149 رحلة بحرية    مدير عام الامتحانات: استكمال إصلاح اختبارات البكالوريا    في الرشقة الأخيرة: إيران تستخدم صواريخ "أسرع من الصوت".. #خبر_عاجل    الليلة: أمطار متفرقة محليا غزيرة بالشمال الشرقي والحرارة تتراوح بين 20 و29 درجة    مشاركة اكثر من 500 عارض في النسخة الاولى لمهرجان تونس للرياضة    نابل: مخاوف من تفشي مرض الجلد العقدي ببوعرقوب وإدارة الإنتاج الحيواني تؤكد تلقيح كافة القطيع مع الاستجابة المستمرة للتدخل في حالات الاشتباه    بطولة برلين : أنس جابر تزيح جاسمين باوليني وتتأهل الى الدور ربع النهائي    الكاف: اليوم انطلاق توزيع مادتي القمح الصلب والقمح اللين المجمّعة على المطاحن (المدير الجهوي لديوان الحبوب)    الموسيقى لغة العالم ، شعار الاحتفال بعيد الموسيقى    عاجل/ تطورات جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي..    عجز ميزان الطاقة الاولية لتونس يرتفع بنسبة 10 بالمائة مع موفى أفريل 2025    عرفها التونسيون في قناة نسمة: كوثر بودرّاجة حيّة تُرزق    عاجل - يهم التونسيين المقبلين على الزواج : وزارة الصحة تصدر بلاغا هاما    تونس تُصدر زيت الزيتون إلى أكثر من 60 دولة    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    علاء بن عمارة يصل إلى تونس    هام/ هذه أسعار السيارات الشعبية في تونس لسنة 2025..    المنستير تتقدم: زيادة في الإقبال السياحي وتطوير مستمر للخدمات    3'' حاجات'' لا تخرج من المنزل بدونها فى الطقس الحار    نسبة امتلاء السدود بلغت حاليا 55 بالمائة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بورتري: باراك أوباما: رجل استثنائي... مشوار استثنائي... مصير استثنائي؟!
نشر في الشروق يوم 10 - 10 - 2009

هذا المقال حول باراك أوباما نشرته الشروق في ركن بورتري بتاريخ 19 جانفي 2008 وسلط الأضواء على شخصية الرجل وحظوظه في السباق الانتخابي تحت عنوان «باراك حسين أوباما: قرش أسود... على أعتاب البيت الأبيض» أعدنا نشره بمناسبة فوزه بالرئاسة بتغيير طفيف في العنوان: باراك حسين أوباما... قرش أسود في البيت الأبيض»...
ونعيد نشره اليوم بمناسبة فوزه بجائزة نوبل للسلام...
فهو يتضمن عناصر وخفايا قد تساعد على فهم نقاط قوة الرجل والتي حملت حملته إلى «عرش» أمريكا وإلى عرش نوبل فيما السلام مازال غائبا ويترنح في بقاع عديدة من العالم أولها وأهمها فلسطين...
باراك حسين أوباما،
بشرة سوداء ولسان فصيح...
ذكاء حاد... وحضور ذهني نادر...
أصول افريقية تجتذب قلوب سود أمريكا...
وخطاب سياسي يأسر قلوب اللوبي اليهودي في أمريكا ويستهوي البيض والشباب بالخصوص لحرصه على نفض الغبار عن «قيم أمريكا» وإخراج ضميرها من صيغة المستتر... وصولا الى إعادة البريق لصورتها المهترئة...
أوراق ومواصفات يمتلكها الفتى الاسمر... دفعت به الى واجهة السياسة على ساحة الحزب الديمقراطي... وهي قد تدفع به الى «عرش» الامبراطورية الامريكية إذا تجذرت الرغبة في التغيير... وبانت حاجة صناع القرار في أمريكا من لوبيات ودوائر اقتصادية وسياسية الى وجه جديد يقطع بالكامل مع موروث «الفيل» بوش (نسبة الى شعار الحزب الجمهوري)... ويتولى حملة إعادة الاعمار بالمعنى السياسي بعد حملة الدمار التي قادها بوش في إطار مقاولته الكبرى: الشرق الاوسط الجديد...
باراك... هو باللغة السواحلية (والده ينحدر من كينيا) «المبارك»... وهو باللغة اليهودية «باروخ»... وهو بكل اللغات رجل لغز يوشك أن يأتي ما لم يستطعه الاوائل حيث قد يكون أول رجل أسود... يدخل البيت الابيض...
هذا الرجل أمم متحدة متنقلة وكوكتال من الاديان والإلحاد... ولد في هاواي من أب كيني (ملحد) رغم نشأته في عائلة كينية مسلمة ومن أم مسيحية أمريكية... ويقال ان له أصولا فرنسية بعيدة (عن الجيل الثامن) تجمعه مع نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني... كما أن له أصولا إيرلندية حيث هاجر أحد أجداده الى هناك...
حين انفصل والداه كان عمره عامين فقط... والده عاد الى كينيا ليموت فيها في حادث سير عام 1982 ولم يكن قد رأى ولده إلا مرة واحدة لما كان عمره 10 سنوات... أما والدته فقد تزوجت مجددا من طالب أندونيسي عاشت معه في العاصمة جاكرتا 4 سنوات... هذه محطة سوف تطبع حياته وستظل تلاحقه الى الآن... إذ التحق هناك باحدى المدارس التي ماتزال تثير جدلا حول نوعيتها... ففي حين يقول هو وفريقه انها مدرسة غربية تلقن تعليما متطورا... يقول خصومه انها مدرسة اسلامية في إحالة ظاهرة الى شبه محتمل بينها وبين المدارس الدينية على الطريقة الطالبانية.
بعد جاكرتا، عاد الفتى الاسمر الى هاواي وعمره 10 سنوات... لينطلق منها الى المعهد الغربي بكاليفورنيا (ثانوي) ثم جامعة كولمبيا في نيويورك حيث حصل على دبلوم العلوم السياسية والعلاقات الدولية... لينتقل بعدها الى جامعة هارفارد لدراسة القانون ومن ثم الانخراط في الحياة العملية صلب احدى شركات المحاماة.
هذه المحطات الكثيرة والمضطربة سوف تكون حاسمة في نحت معالم هذا النجم الساطع في دنيا السياسة وفي إحاطته بهالة من الغموض والفضول... ولئن كان أول ظهور له في دنيا السياسة عام 1992 حيث نشط في الحملة الانتخابية للرئيس كلينتون، فإنه لم يعدم الحيلة فيما بعد ولا الوسيلة لاستقطاب الاضواء وشق طريقه داخل الحزب الديمقراطي مستعينا بجملة من الاوراق والصفات التي برع ومعه برعت آلة الاعلام والسياسة في أمريكا في استغلالها ليصنع له كل هذا النجاح وكل هذا التألق في زمن قياسي.
فما هي تلك الاوراق والصفات؟
في أمريكا يجب أن تعرف من أين تؤكل الكتف.. كتف الأضواء والسياسة.. ويجب أن تعرف الطريق إلى قلوب وعقول من يملكون خزائن المال ومفاتيح وسائل الاعلام.. فهذه وتلك وجهان لعملة واحدة.. وهذه وتلك دمية في يد رموز اللوبي اليهودي الذي بات يمتلك كل مفاتيح اللعبة في أمريكا.. ويحرص على توزيع بيضه في كل السلال.. فيغدق بالمال والضجيج الاعلامي على كل كبار المرشحين للمنازلة على مستوى الترشيح في الحزبين الجمهوري والديمقراطي وبعدها على مستوى المرشحين للرئاسية.. ولتُمطر أصوات الناخبين عند هذا المرشح أو ذاك، فالخراج دوما للوبي اليهودي ومنه إلى إسرائيل.
هذه الحقيقة لم تكن لتغيب عن الفتى الأسمر الذي سرعان ما أحاط نفسه برباط النجمة السداسية عربون ولاء لاسرائيل وطلبا لودّ اللوبي اليهودي في أمريكا.. فراح يجوب المحافل والمنابر ويلقي المحاضرات ويطلق التصريحات الطافحة بالغزل المباح لعتاة الصهيونية سواء كانوا داخل أمريكا أو في فلسطين المحتلة.. وهما ولاء ووفاء سرعان ما جلبا له انتباه دوائر القرار في اللوبي اليهودي وسلّطا عليه أضواء الاعلام المكتوب والمرئي والمسموع..
وفي هذا الباب لعلّ أفضل اختزال قدّم على التأييد والاعجاب اللذين بات يحظى بهما الرجل ذلك الذي قدمه مراسل صحيفة «هآرتز» في واشنطن شمؤيل روزير حين كتب معلقا بعد احدى محاضرات أوباما: «لقد بدا أوباما قويا مثل كلينتون، داعما لنا مثل بوش وصديقا مثل جولياني (عمدة نيويورك السابق والساعي إلى نيل ترشيح الحزب الجمهوري «آنذاك») . وبالمعنى البلاغي فقد نجح أوباما في أي اختبار يمكن لأي كان أن يخضعه له.. ولذلك فإنه صديق إسرائيل، نقطة إلى السطر»!...
صديق إسرائيل.. كيف تصبح صديقا لإسرائيل؟
جواب هذا السؤال حفظه أوباما عن ظهر قلب:
تصبح صديقا لإسرائيل حين تصادق من تصادقه وتعادي من تعاديه.
تصبح صديقا لإسرائيل حين تعتبرها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط التي تناضل لتبقى وسط غابة من الوحوش.. وحين تمدّها بالمال والسلاح اللازمين لتكون دوما الأقوى.
تصبح صديقا لإسرائيل حين تصف المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال «ارهابا».. وتعتبر الانقضاض على لبنان وتدميره دفاعا عن النفس.. وحين تلتزم بمعاضدة إسرائيل في صراعها لاجتثاث النووي الايراني وتلتزم بحمايتها من صواريخ إيران..
كل هذه المفردات ردّدها أوباما ولم ينس أن يغلّف كل هذا الولاء بركوب موجة تجتاح الشعب الأمريكي وترتبط بالصداع الذي تسببه حرب العراق وبمطالبته بسحب الجيش الأمريكي من هناك.. كما يغلّفه بوعود بإنعاش «قيم أمريكا المعطّلة» وب «تأهيل» أمريكا لقيادة العالم في القرن الحادي والعشرين وهي التي مرغت صورتها في وحل حرب العراق خاصة وتزعزعت أسس زعامتها للعالم تحت وضع ضربات المقاومة العراقية وانتقادات حلفائها الذين ضجوا بنزعاتها الانفرادية.. وكل هذه الأوراق وغيرها تستهوي الناخب الأمريكي الطامح إلى التغيير.. تستهوي السود الذين يرون فيه «لنكولن جديد» وثأرا تاريخيا من إقصاء البيض.. ويستهوي البيض الذين يرون فيه قطيعة مع نظام سياسي ترهّل وبات يتطلب التغيير..
هل وضع الفتى الأسود قدما في البيت الأبيض؟
الجواب الشافي مازال مبكرا.. لكنه جمع من الأوراق والحظوظ ما جعله يحلم بفرصة حقيقية في «أن يفعلها»..
we can do it (نعم.. بإمكاننا أن نفعلها) شعار استوحاه الفتى الأسود من فوزه بالترشيح عن ولاية أوهايو.. (وقد فعلها كما وعد)!!.
وآخر الكلام... لقد دخل الفتى الأسود البيت الأبيض... ولم تمض إلا شهور قليلة حتى توجوه بجائزة نوبل للسلام مع أن الصهاينة مازالوا يحتلون ويعربدون ويدعمون الاستيطان ويهودون القدس ويصمّون اذانهم عن الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني... ومع أن الموت والدمار مازال خبزا يوميا في العراق... ومع أن رائحة الموت والخراب تنبعث من كل ركن في أفغانستان.. وهو ما يعني أن جماعة نوبل قد وضعوا بحق العربة قبل الحصان...
رجل استثنائي... ومشوار استثنائي... لكأن المقادير تخبئ للرجل مصيرا استثنائيا... لعل نوبل أهم محطّاته... أو آخر محطاته... من يدري؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.