تخمينات كثيرة رافقت حدث فوز باراك أوباما بترشيح الحزب الديمقراطي له في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة ليواجه مرشح الحزب الجمهوري جون ماكاين. تخمينات بشأن امكانية حدوث تغيير ولو كان ذلك بشكل نسبي في السياسة الخارجية الأمريكية، تغيير لا نصل إلى حد القول بأنه يجعل الولاياتالمتحدة تلتزم مثلا العدل في قضية الصراع العربي الإسرائيلي لأن انتظار شيء من هذا القبيل في الظروف الحالية على الأقل يكاد يكون مستحيلا وإنما يجعل الإدارة الأمريكية تراجع سياسة الإنحياز الكامل لإسرائيل ليس فقط ضد العرب وإنما ضد العالم بأسره وذلك طبعا في صورة ما إذا وصل أوباما إلى البيت الأبيض. وسواء بقينا في إطار التخمينات أو صدقت التكهنات فإن ذلك لا ينقص من أهمية حدث فوز أوباما بالإنتخابات التمهيدية لحزبه في شيء. ولا ينبغي لنا أن لا نرى في هذا الحدث، حدث اختيار رجل أسود (ولو كان يحمل في عروقه دماء «بيضاء» من خلال والدته) لأول مرة ليكون مرشح أحد الأحزاب القوية التي تتداول على حكم الولاياتالمتحدة في انتخابات نوفمبر القادم ليس هذا فحسب بل للرجل حظوظ وافرة للفوز بهذه الإنتخابات، لا يمكن أن ننظر للحدث على أنه مجرد أمر عادي. لا يمكن أن نتعامل مع الأمر وكأن الحدث لا يحمل في طياته أية ايجابيات بالنسبة لنا. إن كان باراك أوباما ما هو إلا أحد افرازات الحياة السياسية الأمريكية التي تقوم على مؤسسات وتلتزم بعدة قوانين ولها خصوصيات وبالتالي لا ننتظر منه أن يحدث قطيعة كاملة مع التقاليد التي تحكم الحياة السياسية الداخلية والخارجية لبلاده. فإنه في مقابل ذلك يبقى وليس من منظور المتحمسين للرجل فقط مرشحا استثنائيا. لذلك قد ترافق وصوله المحتمل للحكم تغييرات جذرية في السياسة الأمريكية نظرا لعدة عوامل أبرزها تحمله لمسؤولية تاريخية كبيرة. ذلك أن أوباما قد يكون الرئيس الأول للولايات المتحدة الذي ينحدر من الأقليات ومن السود تحديدا. وهي من بين الأسباب التي تجعلنا نرتقب عهدا أفضل نسبيا إذا ما فاز أوباما بالإنتخابات. فإن كان برنامجه الإنتخابي لا يختلف عن خصمه الجمهوري في عدة نقاط فإن هناك اختلافا في بعض التفاصيل ولا ننسى أن تلك التفاصيل هي التي تحدث الفارق في نهاية الأمر وتحدد نتيجة الانتخابات الأمريكية. مصالح اللوبيات القوية والمزايدات البرنامج الإنتخابي الذي تقدم به باراك أوباما لا نجده بالفعل يختلف اختلافا جوهريا مع مرشح الحزب الجمهوري جون ماكاين في عدة نقاط وخاصة منها التعهد بضمان مصالح اللوبيات الأمريكية ومن بينها بالطبع اللوبي اليهودي أو اللوبيات المسيحية اليهودية الراديكالية. بل قد نصل إلى القول أن المرشح الديمقراطي قد لعب ورقة المزايدة على المرشح الجمهوري. فمعروف أن الإدارة الأمريكية الحالية لم تعمل على إخفاء انحيازها الكامل للدولة العبرية بل عملت على إشهار هذا الأمر بشكل مثير للإمتعاض. وفي صورة فوز المرشح الجمهوري بهذه الإنتخابات فإن ذلك سيكون إيذانا بمواصلة نفس السياسة. يكفي هذا الأمر ليجعل اللوبيات اليهودية والمسيحية المتشددة تدخل بثقلها للتأثير في نتيجة الإنتخابات وليس هنالك ما يحول دون ذلك خاصة بعد انسحاب هيلاري كلينتون من السباق. فمختلف نتائج سبر الآراء كانت تؤكد أن تلك اللوبيات كانت أميل إلى اختيار زوجة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون كمرشحة للحزب الديمقراطي. ليس إذن أمام باراك أوباما إلا لعب ورقة المزايدة في هذا السياق على الجمهوريين والتعهد ليس فقط بضمان مصالح تلك اللوبيات بل وعدها بما هو أكثر من ذلك. لا نستطيع أن نقول أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد وعد انتخابي قد يتحقق وقد لا يحدث ذلك. لأن المرشحين عادة في الديمقراطيات التقليدية يسعون بكل قوة إلى تنفيذ وعودهم الإنتخابية. لعدة أسباب من أبرزها الخوف من محاسبة الأطراف التي دعمت المترشح وأنفقت عليه واستفاد من قدرتها على التأثير في الناخبين . ليس لنا في حقيقة الأمر حجج قوية لتنزيه المرشح الأسمر عن سياسة منحازة من عدمه فيما يخص الصراع العربي الإسرائيلي. في مقابل ذلك نقول في هذا الشأن أن التغيير في هذه النقطة بالذات لا يأتي بين يوم وليلة. النظام الإنتخابي بالولاياتالمتحدة مازال يقوم على اللوبيات وعلى مجموعة من التقاليد تتوارثها العائلات. والأمل قائم في أن تظطلع اللوبيات المضادة إن صح التعبير بدورها في هذه العملية ذلك أن العرب والمسلمين مثلا مازالوا نظرا لافتقارهم إلى تنظيمات فاعلة بعيدين عن التأثير في سير العملية الإنتخابية بالولاياتالمتحدة رغم أموالهم الطائلة. الأمل قائم أيضا في دور الأجيال الجديدة خاصة من القوميات الإسبانية وفق ما نقلته عديد التقارير الصحفية التي أعربت عن شيء من الرغبة في الاستقلال عن العائلة ولعب دور سياسي بكامل الحرية. ويعتبر المحللون السياسيون أن هذه الأجيال الجديدة تبدو أميل إلى اليسار منه إلى حزب المحافظين (الجمهوريين). هناك أيضا عامل القوميات الأمريكية من السود. فقد اشتد وعي هؤلاء بأنه قد حان الوقت للثأر من الماضي الذي كانوا فيه مسخرين لخدمة أجناس أخرى ولاقتسام الأدوار مع البيض في مجال تسيير أمور البلاد. وكل هذه العوامل إذا ما اجتمعت فإنها تعتبر مؤشرا على هبوب رياح التغيير بأمريكا. وأول الأدلة على ذلك اختيار باراك أوباما ليكون مرشح الحزب الديمقراطي. لم يكن الأمر هينا بالنظر إلى خصوصيات المجتمع الأمريكي الذي خلناه إلى ما قبل بروز أوباما مجتمعا محافظا ومنغلقا ومتشددا. صحيح أن أوباما برهن عن عدة خصال و تفوق في عدة مجالات على منافسته هيلاري كلينتون من ذلك أنه يتمتع بكاريزما أفضل وبقدرة على إثارة حماسة الجماهير تفوق ما أظهرته منافسته في نفس السياق وأنه أكثر حماسا بدماء الشباب التي تجري في عروقه وصحيح أنه حظي بمساندة كبيرة من عدد من أقطاب الحزب الديمقراطي الذين أعلنوا مبكرا مساندتهم له وأنه خاض الانتخابات التمهيدية وقد أعد حملة انتخابية موفقة على ما يبدو لكن لم يكن الأمر بديهيا لأن الرجل ببساطة ينحدر من السود فباراك أوباما هو ابن لمهاجر كيني. له أيضا جذور اسلامية ذلك أنه يدعى باراك حسين أوباما. وهذه عوامل جعلته يخوض معركة حقيقية في الانتخابات التمهيدية كما جعلت فوزه في هذه المرحلة الأولى من الانتخابات يبدو مستحقا وأكثر. وهم أم حلم أم حقيقة ؟ على مستوى السياسة الداخلية وإن كانت المسألة لا تعنينا كثيرا كمراقبين من الخارج إلا أنها تعطي فكرة عن نفسية الرجل واستعداده للتغيير. ومن أبرز ما في برنامجه في هذا الشأن التقليل من امتيازات المحظوظين الذين انتفعوا في عهد الرئيس بوش بشكل ربما يكون غير مسبوق من جهة و القيام بسياسة اجتماعية «إنسانية» و تطوير النظام الصحي من جهة أخرى إلخ... ما يهمنا بالتأكيد هو موقفه من الحرب في العراق فهو تقريبا المرشح الوحيد الذي عارض هذه الحرب وهو يعد بالإنطلاق في سحب القوات الأمريكية من العراق منذ جانفي 2009 كي لا يبقى مع 2011 بهذا البلد إلا ما يطلقون عليه بعض الوحدات للقيام بعمليات ضد القاعدة وفق ما ورد في البرنامج الإنتخابي للرجل. وهذا أمر يختلف كثيرا عما يعد به منافسه الجمهوري الذي هو وكما يعرف الجميع من مشجعي الحرب على العراق ومن المتحمسين لبقاء القوات الأمريكية في العراق إلى ما لا نهاية له. قد يكون وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض من جهة أخرى هدية من السماء ذلك أنه قد يجنب العالم حربا جديدة. فلا شيء يمنع من توقع حرب أمريكية ضد إيران في صورة ما إذا انتصر جون ماكاين في انتخابات نوفمبر القادم بالولاياتالمتحدة. في حين لا نجد شيئا في البرنامج الإنتخابي لمرشح الحزب الديمقراطي يشير إلى امكانية خوض الولاياتالمتحدة حربا جديدة. إن المدتين الرئاسيتين للرئيس جورج ولكر بوش قد أرهقت الأمريكيين والعالم من حولهم. ولا ننكر تطلعنا إلى أن نرى باراك أوباما و قد وصل إلى البيت الأبيض. لأن وصول خصمه يعني بدون تردد تواصل سياسة بوش وربما بشكل أتعس لنا وللعالم. باراك أوباما يبقى رغم إدراكنا لنسبية الأمور فالسياسة تبقى في نهاية الأمر فنا لخدمة مصلحة بضعة أنفار على حساب الآخرين. إذن رغم نسبية الأمور فإن انتصار أوباما يعني انتصار عدة قيم في العالم خلناها اندثرت ومن أبرزها التساوي في الحظوظ بقطع النظر عن الجنس أو اللون أو العقيدة. وانطلاقا من انتصارنا لمسألة تساوي الحظوظ بين البشر في المطلق فإننا ننتصر حتما لباراك أوباما. تحترز جل الكتابات والتحاليل السياسية التي صدرت في الصحافة العالمية إثر فوز أوباما بالإنتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في توقعاتها بشأن الإنتخابات النهائية ورغم حماسها لهذا النجم السياسي الأمريكي الصاعد فإننا نجد فرضية الوهم لا تستبعد بل وتتكرر في عدة نصوص. ونحبذ في هذا السياق أن نقول أن هذا الوهم إن لم ينته إلى حقيقة في نوفمبر القادم فهو على الأقل أثار كثيرا من الأمل ومكن من تجاوز عتبة الممنوعات.