حدثني مرّة صديق تونسي في معرض حديثه عن بلده قال: يروى أن جماعة من أهل الشمال الافريقي كانوا جالسين معا ذات يوم من أيام الشتاء القارس يتبادلون الذكريات ويروون القصص والحكايات. وفيما هم مجتمعون أقبل عليهم شخص من نفس المنطقة المطلّة على البحر الأبيض المتوسط، جاءهم بخبر مفزع استمع إليه في طريقه إليهم: عاصفة هوجاء ربما كانت إعصارا ينتظر هبوبها على احدى جهات الشمال الافريقي. وإذا بواحد من الحاضرين يلتفت إلى مخاطبه ليقول له: ان شاء ربي تحدث الواقعة بتونس. وإذا بالتونسي وكان من بينهم يردّ عليه باستياء شديد: ولماذا هذه الشماتة يا أخي ونحن اخوة من دم واحد وجذور واحدة؟ فقال له صاحب الدعاء بكل ثقة في النفس، أبدا يا أخي، إني لا أرضى لتونس غير خير الأماني وأطيبها. ولكن بلدك كان دائما في حفظ اللّه وستره، ان اصابته مصيبة لا قدر اللّه جاءت بلطف شديد، بردا وسلاما على أهاليه الطيبين وكانت النجاة من كلّ هول، إرادة الأقدار له. تذكرت هذه الرواية، وأنا أعود بالذاكرة إلى أواسط الثمانينات التي مرت بتونس حيث كان هذا الوطن العزيز على شفا هاوية لا قرار لها، ولا من أحد يراهن بفلس واحد على سوء مصيره وظلمة غده: سفينة تتلاعب بها الأمواج والأيام، يقودها ربان تجذّر في الشيخوخة وفقد مداركه العقلية، إفلاس سياسي ومالي أو انهيار اقتصادي وتدهور اجتماعي، وبلد على أبواب فتنة وشيكة، لو حصلت لا قدر اللّه لكانت وبالا قاضيا. لكن الأقدار التي لا تريد لتونس سوى الخير وحسن المآل، قيّضت لها رجلا كان له من الشجاعة والجرأة والوطنية ونكران الذات والغيرة على وطنه ومواطنيه، خاطر بنفسه وأهله، وأعفى الربان السابق من مسؤوليات لم يعد قادرا على تحمّلها، بل حوّله عجزه البدني والفكري إلى فأس تدكّ ما حصل من مكاسب وبني وشيّد من صروح منذ فجر الاستقلال وكان من أبرز صانعيه. عندها تنفّس التونسيون والتونسيات الصعداء وعاد الأمل إليهم بعد طول يأس مقيت وخرجوا بالآلاف ومئات الآلاف في كل أنحاء الجمهورية للاحتفال بهذا الحدث العظيم واختاروا رجل التحوّل قائدا لمسيرتهم ومخطّطا ساهرا يقظا ليومهم وغدهم. يعلم ما تمّ إفساده، وهو كثير، يعيد للبلاد مكانتها اللائقة بها ويوفّر لها مكاسب ومنجزات كثيرة ومختلفة معتمدا على السواعد والعقول بفكر رصين حكيم، فإذا تونس اليوم تقطع من الأشواط المتتالية في طريق النمو والنهضة أبعدها وان كان المسار لم يكتمل بعد، فعقدان من الزمن فترة قصيرة في حياة الشعوب خاصة إذا عدنا بالذاكرة إلى ما كانت عليه تونس في زمن غير بعيد من تأخر وتقهقر ووضع سلبي للغاية، فالاصلاح مع البناء الجديد يتطلب من الجهد أكبره ومن الوقت أوسعه، ومع ذلك تجاوزت تونس بحكمة القيادة وحسن التصرف واندفاع المواطنين والمواطنات إلى اقتلاع مراتب عليا في مختلف الميادين بأرقام ثابتة وشهادات عالمية من منظمات ليس من عادتها أن تجامل أو تنحاز لأي طرف أو أي بلد كان. وثقة التونسيين والتونسيات داخل البلاد وخارجها في رئيسهم ما تزال كاملة مطلقة إذ وضع البلاد في مسار صحيح وجذّر في مواطنيه روح التآخي والتضامن والتآزر وأعاد إليهم الثقة في أنفسهم وعمل على تعبئة قواهم للوصول إلى هدف سام وحيد، إعلاء شأن تونس في كل مكان وتعميم اليسر والرخاء لدى جميع الشرائح والأجيال والجهات. وبعد أيام قليلة سيقبل الناخبون التونسيون في أرض الوطن ووراء الحدود لانتخاب رئيس لهم في اقتراع تعدّدي يمنحون فيه أصواتهم بكل حرية لأحد المترشحين الأربعة بعد حملة انتخابية يقولونها جميعا على قدم المساواة. وسيكون ممثلو الأحزاب السياسية المترشحة حاضرين بمكاتب الاقتراع وفرز الأصوات يتم بحضورهم. كذلك سيتابع الانتخابات القادمة ملاحظون تونسيون وأجانب، أفليس في هذا دليل على الشفافية الكاملة؟ فإن يحظى الرئيس زين العابدين بن علي بشعبية واسعة وصيت بعيد لدى مواطنيه أكثر من المترشحين الآخرين لحداثة أحزابهم وضعف برامجهم وتصوراتهم مقابل حزب عريق عرف كيف يشبّب إطاراته ويتطوّر مع الزمن ويتأقلم مع المحيط الداخلي والخارجي ومتجذّر في كلّ مدينة وقرية في أطراف البلاد جميعها، فليس هذا بالأمر الغريب لحصيلة أعماله وثراء برنامجه الانتخابي الطموح والتي على أساسها يصوّت الناخبون. والناخب بطبيعته يفضل التمسك بالفريق الرابح الذي خبر نتائجه الايجابية وعاين نجاحاته في كلّ ما يتصل بخياراته الخاصة منها والعامة. وما من شك أن الرئيس بن علي سيحظى بنسبة عالية من الأصوات فإلى جانب حزبه التجمع الدستوري الديمقراطي الذي يسانده مساندة مطلقة وهو الذي رشحه لولاية جديدة حسب ما ينصّ عليه الدستور المنقح سنة 2002، فإن أحزابا أخرى تقف إلى جانبه وكذلك جميع الحركات الجمعياتية تقريبا والمنظمات المهنية والرأي العام. وقد دعوا كلّهم إلى التصويت لفائدة مرشح التجمّع. وهذه النسبة المرتفعة من الأصوات تعود أيضا إلى ما يحمله التونسيون في مجموعهم من وفاء وامتنان واعتراف بالجميل للرجل الذي أنقذ بلادهم من أهوال التطرف الديني وللتقدم الكبير الحاصل في مختلف الميادين والقطاعات، وللخطوات الثابتة الممتازة والمعترف بها في ارساء قواعد الديمقراطية ولمناخ السلم الاجتماعية السائد في تونس وللاستقرار، وللأمن الذي هو أولى الحريات. ان الديمقراطية في بلادنا تبنى لبنة لبنة وقد أعطت الكلمة لشعب عاش استبداد المستعمرين ولامبالاة البايات وقمعهم وتشجيعهم على تغذية العروشية المقيتة، ثم نظام الحكم المنفرد والفكر والرأي الواحد، فالأحزاب متعددة (9) ولجلّها نوّاب في البرلمان لأول مرة (25 بالمائة من المقاعد) وفي المجالس البلدية والجهوية ولها صحفها التي لا تخضع لأية رقابة حتى لو بلغت (وبالغت) في الانتقاد الذي لا محلّ له وهي تدعى لكل المنابر الحرّة التي تنظمها الاذاعة والتلفزة التونسية حول مواضيع حساسة تتناول مشاغل الناس، علما أن اعتمادات عمومية تمنح من قبل الدولة للصحافةالمستقلة وصحافة الرأي من ذلك استرجاع نسبة قد تصل الى 60 بالمائة من مصاريف شراء الورق، علما أيضا أن 90 بالمائة من الصحافة المكتوبة في تونس تنتمي إلى القطاع الخاص الذي يسيّرها بمطلق الحرية ويختار محتوياتها، كذلك الشأن للاذاعات والتلفزات الخاصة (وعددها اليوم خمسة) وهي لا تنتمي للدولة ولا تخضع لأية ضغوطات، والمجلس الأعلى للاتصال الذي هو مستقل يضم في صلبه شخصيات من مختلف الحساسيات، ينظر في مطالب الحصول على ذبذبات طبقا لمعايير ايجابية. ولزيادة التأكيد على توفّر حرية التعبير والنشر والاعلام في تونس العهد الجديد تواجد 250 عنوانا تصدر بالعربية والفرنسية وبلغات أخرى مثل الانقليزية والايطالية وتوفّر 700 عنوان عربيا وغربيا موزّعة في البلاد. وأغلب العائلات التونسية مجهّزة بالبارابول وللتونسيين نفاذ مباشر عبر الأقمار الصناعية للقنوات الاوروبية والامريكية والعربية. والصحافيون الغربيون يدخلون تونس بكل حرية ويختارون بحرية أيضا المواضيع التي يريدون طرقها والاشخاص الذين يفضّلون الاتصال بهم. ولا ننسى أن الرئيس بن علي قد اجتمع سابقا بمديري الصحف المستقلّة ودعاهم بل ترجّاهم أن تكون منشوراتهم مرآة لحياة الناس ومشاغلهم داعيا إياهم الى تناول كل المواضيع التي تهم حياة البلاد بدون استثناء سواء كانت سياسية او اقتصادية أو اجتماعية او ثقافية أو ما يهم منها الصحة والتربية والمحيط وغيرها محددا لهم مع ذلك خطّا أحمر لا يمكن تجاوزه ألا وهو الثلب الذي يعاقب عليه القانون فوق ذلك والدعوة للتطرف بمختلف أشكاله. كذلك المجتمع المدني الذي أصبح ركنا أساسيا في حياة البلاد بالتطوّر المدهش الذي يعيشه والدور الفاعل الذي يتولاّه في رسم مسيرة تونس ومشاركته في كل الاستشارات الدورية التي تجري حول مواضيع محدّدة وآخرها الاستشارة الشعبية حول الشباب يبقى ونحن نستعد لموعد حاسم في حياتنا السياسية أن تونس لم تستكمل بعد مسيرتها الموفّقة، وان ظهرت نقائص أو نقاط ضعف فالدولة بقيادة الرئيس بن علي على ادراك لها عاملة في برامجها ومخططاتها على تلافيها بتدرّج حسب امكانياتها وحسب الظروف ما كانت مواتية. فالطموح الى الأعلى سمتها وبلوغ الكمال مستحيل وان كان الاقتراب منه ممكنا.