بادئ ذي بدء وقبل خطّ اي حرف عن البطولة الافريقية التي دارت بزمبيا لابدّ من رفع المظلة لهذا الشاب التونسي الذي «نوّرنا» رغم ان بعضنا سدّ أمامه كل الطرق المؤدية الى الفرح وكاد يحوّل حلمه الجميل الى كابوس مرعب بل ان قدم له صورة رديئة جدا في التعامل.. وصورة اخرى قبيحة جدّا في روح المسؤولية وصورة ثالثة تعيسة جدّا عن تونس اليوم التي تغيّر فيها كل شيء الا بعض المسامير التي طالها الصدأ وترفض الاعتراف بأن لا مكان لها في قلب خضرائنا التي تبقى رغم كل شيء واحة حبّ وحبلا متينا يربط المتواجدين فيها بإخوانهم خارج الحدود ترفرف بينهما النجمة والهلال شهادة حيّة لا تموت رغم محاولات البعض القليل وأدها وقطع ذلك الحبل المتين.. الصحافة الزمبية تنوّه بالبطل التونسي عندما جاءني ذلك الشاب الفارع والقوي يحمل بين يديه مجموعة صور ويحمل في ضلوعه حلما بخوض بطولة افريقيا للملاكمة على ارض تونس قلت له بثقة كاملة «هاذي حكاية فارغة» اي ان الأمر بسيط جدا اذا توفرت اركان هذه البطولة بوجود المنظم الرسمي والإطار والتسهيلات خاصة ان الشاب فيصل ابن العرامي لم يكن يطلب مالا او مرابيح عمّا سيجنيه اي كان من عملية التنظيم.. كان فقط يريد اللعب أمام الجمهور التونسي وهو الذي عاش متغربا بفرنسا يتدرب صباحا مساء ليحقق حلمه البسيط. شخصيا لم أكن اتصوّر قط ان تكون الحكاية بالفعل «فارغة».. لأن صاحبنا دق كل الأبواب (ولا استثني اي باب) من الوزارة الى الجامعة الى الأصدقاء.. الى الأحباب... الى .. ولم يجد في طريقه الا المتحيّلين الذين لا يتحدثون معه ألا عن المصاريف التي يجب ان يوفرها (!!) أغرب من الخيال الدكتور عبد العزيز النفاتي وهو قريب للبطل فيصل ابن العرامي كان أكثر إصرارا من الملاكم نفسه على خوض بطولة افريقيا في تونس فتحرّك في كل الاتجاهات ووصل به الأمر الى القدوم الى تونس سبع مرات بالتمام والكمال ليتحدث مع هذا المسؤول ثم ذاك ثم ثالث فرابع... ولا حياة لمن تنادي.. ووصل به التنازل عن «حقّه» الى حدّ طلب راية وطنية فقط يتلحف بها «ابن تونس» عند الصعود الى الحلبة لكنهم طلبوا منه تقديم مطلب في الغرض.. وربما لو قدّم مطلبا كتابيا لقالوا له لابدّ من اجتماع لتحديد موقف من هذا المطلب.. وكلها صور قبيحة عاد بها هذا الدكتور صاحب المكانة المرموقة بفرنسا ليتأكد بما لا يدع مجالا للشك ان الجماعة لا يعطون قيمة لكل ذلك الوقت الضائع من حياة ملاكم أراد فقط ان يعرّف بنفسه للجمهور التونسي وهو المعروف بفرنسا ويشرف عليه أفضل ملاكم فرنسي لكل الاوقات «فابريس تيوزو».. الحمد لله.. هكذا قالها الدكتور النفاتي عندما نصحته بالبحث عن السيد حسين الحويشي رئيس الاتحاد الافريقي للملاكمة المحترفة وهو ما تم ليتأكد ان هذا المسؤول الكبير والخبير في دنيا الملاكمة المحترفة على علم بكامل خطوات «ابن العرامي» بما جعله يعجّل بتنظيم بطولة افريقيا في الوزن الثقيل الخفيف في زمبيا.. ورغم انها ضربة موجعة لمعنويات الملاكم المعني الا انه قبل الأمر عن مضض وكأنه يقول «بلادي وان جارت عليّ..». عندما تنصفه السماء المقابلة دارت يوم السبت الفارط بلوزاكا وتحديدا في ملعب لكرة القدم بحضور جمهور غفير جاء ليشجع البطل المحلي «وازاجا شيزمبا» الذي يعدّ من أفضل أبطال زمبيا والمرشح الأبرز على الحزام الافريقي.. ومن سوء حظ ملاكمنا انه تكدست عليه هموم كثيرة في الأيام التي تسبق المباراة عندما اجرى عملية جراحية على احدى عينيه وبالتالي عدم القيام بالاستعداد اللازم لموعد كبير.. كما تعرض الى نزلة برد حادة قبل يوم من اللقاء إضافة الى الظروف الطارئة لمدربه والتي حالت دونه والسفر معه الى زمبيا.. مع العلم ان رحلة التنقل من فرنسا الى زمبيا دامت 23 ساعة بالتمام والكمال.. هذه العوامل كادت تضعف ملاكمنا لكن وجود الدكتور عبد العزيز النفاتي حوّل يأسه الى أمل وجعله يخوض اللقاء بعزيمة فولاذية.. المباراة انطلقت بلكمة قوية سقط على اثرها الزمبي ليحتسب له الحكم لكنه استيقظ من غفوته وعاد بقوة لينتصر على ملاكمنا في الجولتين الثانية والثالثة والتي شهدت حادثة غريبة تمثلت في نسيان مدرب ابن العرامي وضع «واقي الأسنان» داخل فم ملاكمنا بما جعله يفقد أحد أسنانه لتتواصل سيطرة الملاكم الزمبي الى حدود الجولة السادسة. ابن العرامي لم يستفق الا في الجولة السابعة عندما فاجأ منافسه ب «النفس الثاني» واخضعه الى مشيئته بالطول والعرض وكسب على حسابه الجولات السابعة والثامنة والتاسعة وخاصة العاشرة التي شهدت سيطرة مطلقة لملاكمنا ولكمات من كل صوب ارغمت منافسه على انزال اليدين لتقبّل الضربة القاضية لكن الحكم انقذه منها عندما تدخل ليوقف اللقاء وإعلان فوز فيصل ابن العرامي بطريقة جعلت الجمهور الزمبي يصفق ويهتزّ لكل لكمات ابن تونس ويصفق في النهاية اعجابا واحتراما.. ماذا قال البطل؟ رغم كل ذلك الارهاق المعنوي والمادي أكد بطل افريقيا الجديد للوزن الثقيل الخفيف فيصل ابن العرامي انه انجز ما وعد به الجميع وانه يشكر كل الذين وقفوا الى جانبه وهو يهدي هذه البطولة الى سيادة رئيس الدولة ويقول بالصوت العالي انه تونسي مائة بالمائة وإن ما حدث له سحابة صيف عابرة وان الذين تنكروا لمسؤولياتهم ليسوا في النهاية سوى عابري سبيل وان البقاء لتونس التي يبقى وفيا لها وهو بالمناسبة يساند ترشح سيادة الرئيس في الانتخابات الرئاسية ويعتبر سيادته المنقذ وحامي حمى هذا الوطن العزيز.. ماذا قال الدكتور؟ «الشروق» سألت كذلك الدكتور عبد العزيز النفاتي عما اذا مازال يروم اقامة لقاء على ارض الخضراء لبطله «ابن العرامي» فقال: «نحن نحب تونس.. وسنظل نحلم بمثل هذه البطولات على ارضها مهما حدث مع بعض الذين لا يؤمنون بأن الكراسي متحركة ولا تدوم.. وبالمناسبة نضم صوتنا الى كل المساندين لترشح بن علي للرئاسة مجددا لإيماننا بالمبادئ الحقيقية للتغيير..».