رحلت إذن أولمبياد بيكين 2008، تاركة في الذّاكرة جملة من الحقائق والمعطيات والمؤشّرات والافرازات والاستنتاجات، إضافة إلى بحر من الدروس والعبر. ولو توقّفنا عند المشاركة التونسية، لوجدناها بفضل الذهبية التاريخية لأسامة الملولي، مشرّفة جدا على الصعيدين العربي والافريقي، خاصة وأن هذه الميدالية قد وشّحت صدورنا بما عجز عنه الرياضيون التونسيون على امتداد 40 عاما بالتمام والكمال أي منذ ذهبيّة العداء محمد القمودي في أولمبياد مكسيكو 1968. لكن حين نستثني البطلين الأولمبيين محمد القمودي في العدو وأسامة الملولي في السباحة، فاننا نجد أن الملاكمة هي الرياضة الوحيدة الأخرى التي جلبت لنا المفاخر في السابق بفضل ميداليتين أولمبيتين أحرز الاولى الملاكم الحبيب قلحيّة في أولمبياد طوكيو 1964 وظفر بالثانية الملاكم فتحي الميساوي في أولمبياد أطلطنا 1996. ثم جاءت أولمبياد 2008، فذهبنا إلى بيكين بخمسة ملاكمين بالتمام والكمال وهم مراد الصحراوي وسيف الدين النجماوي وحمزة حسين ووليد الشريف وعلاء السهيلي.. فبماذا عدنا؟ الجواب معلوم ولا يجهله أيّ كان، حيث عاد ملاكمونا الخمسة بخفّي حنين، إذ حتى وليد الشريف الذي أدرك الدور ربع النهائي ووجد أمامه منافسا ايطاليا يعرفه جيّدا وهو فيتشينزو بيكاردي الذي كان وليد الشريف انتصر عليه سنة 2005 في ألعاب البحر الأبيض المتوسط بألماريا، فقد خيّب بدوره الأمال. فماذا حدث يا ترى حتّى يتقدّم الملاكم الايطالي ويتأخر ملاكمنا؟!! لقد انتظر الرياضيون التونسيون الذين علّقوا آمالا عريضة على وليد الشريف أن يجدّد انتصاره على نفس الملاكم لضمان ميدالية برونزية على الأقل بحكم الترشح الى الدور نصف النهائي، لكن اللياقة البدنية خانته، والدهاء التكتيكي أعوزه فخذلهم، ومقابل ذلك فاتهم أن الملاكم الايطالي فيتشينزو بيكاردي ظل يتحسّن باطراد منذ هزيمة سنة 2005 بألماريا، حتى انه ظفر بالمرتبة الثالثة في بطولة العالم لسنة 2007 تحت اشراف المدرب الوطني الايطالي دامياني الذي لا يفوق كمال بوعلي في شيء بشهادة واعتراف اقطاب الملاكمة في إيطاليا، بل وأكثر من ذلك فالمدرب فرانشيسكو دامياني يستشير كمال بوعلي في كل كبيرة وصغيرة، باعتبار المكانة التي يحتلها في عالم الفن النبيل على الساحة الايطالية وحتى العالمية منذ 3 عقود كاملة. إننا حقّا أولى من غيرنا بخبرة كمال بوعلي وزاده المعرفي في مجال التدريب وصقل المواهب وتأهيل الملاكمين خصوصا وأن بطولة العالم للهواة ستقام سنة 2009 في إيطاليا بالذات.. وإلا سينطبق علينا المثل القائل «خيرنا ماشي لغيرنا». أليس كذلك؟