[email protected] «علي بن البشير الصغير» شهر «شورب» دخل السجون ألفا وخمسمائة مرة وهزم كل الرجال ثم توفي مقتولا فأقيمت له جنازة لا مثيل لها . وأدرك جيدا أن مجرد ظهور اسمه بالمقال كفيل بشد الانتباه لكثرة الحكايات الشعبية المأثورة عنه، إلا أنه وبرغم كل ذلك لا يزال إلى اليوم مادة خاما لم تلمسها يد المبدعين ولم تلتفت إليها الأقلام. وقد يكون هذا الإهمال راجعا إلى أن الرجل لم يكن أديبا أو فنانا أو رجل سياسة بل كان رجل معارك ونزاع , ولكن برغم ذلك لا تزال الألباب مسحورة بحكاياته، فلو كان الرجل عاديا لما بقيت ذكراه عالقة حتى اليوم بالأذهان. وإني أعجب أحيانا لمبدعينا الذين يتعسفون على خيالهم ليقدموا لنا شخوصا لا وجود لها وأمامهم مثل هذه الحكاية التي تستحق أكثر من عمل، فالرجل كان يجمع كل التناقضات: عربيد غير غادر و شديد المراس في المعارك ولكنه عندما يحتدم الظلام يعود خلسة إلى بيته خوفا من غضب أمه. وإني ما كنت لأتجرأ على الدعوة إلى الاهتمام به لو كان سقف الإبداع عندنا عاليا ، ولكن ما يقدم لنا من أعمال يدعوني إلى اقتراح هذه القصة لأنها حكاية حاضرة في الخيال الشعبي وما على المبدع إلا أن يحسن توظيفها. وقليلة هي البلدان التي غفلت عن مثل هذه الشخصيات ولم تضعها في عمل فني، فلماذا نحن نتركها رهينة التداول اللفظي والحكايات الشعبية ؟ وإني أتفهم جدا تأخر عمل يحكي لنا عمن صعدوا الجبال بالفيلة وحاربوا روما ، وأتفهم أيضا أن تتأخر الأعمال المتعلقة بمن رفضوا قمع البايات وثاروا على الجور، ولكني لا أجد تفسيرا لتأخر الأعمال المستمدة من الذاكرة الشعبية. وإني متأكد أننا سوف ننتظر طويلا حتى يلتفت مبدعونا إلى الإمام «سحنون» وإلى «ابن خلدون» وإلى «الكاهنة» و«يوغرطة» و«عقبة»، لذلك اخترت أن أقطع عليهم فترات السبات التي طالت كثيرا أو فترات التأمل كما يحلو لهم أن يسموها، وأن أقترح عليهم عملا لا يتحدث عن «علي بن غذاهم» وإنما عن «علي شورب» لأن حكايته مشوقة ألف مرة أكثر من حكاية «الحبيبة مسيكة» وحضوره أشد اتقادا في أذهان الناس من حضورها ولكنه لم ينل إلى اليوم ما نالته هي من حضوة فنية . أما إذا أعوز مبدعينا مثل هذا العمل فإنا لن نملك حينئذ ، أمام كل ما يحصلون عليه من دعم ، إلا أن نصبر أنفسنا بمقولة إن للمبدعين منطقا لا يفهمه غيرهم......