«ستان» في لغتهم تعني البلاد... فأفغانستان هي بلد الأفغان... والباكستان هي بلاد الباشتون (40 في المائة من السكان) وقيل إنها تعني الأرض النقية أو الأرض الطاهرة... ووزيرستان هي بلاد الوزيريين وأوزباكستان بلاد اليزبك وتركمانستان بلد التركمان وبلوشستان هي بلاد البلوش إلخ... والحديث عن أفغانستان مكرر وعرف الكثير عنها لكثرة ما شدت أحداثها العالم.. ونكتفي بالقول إن تاريخ هذه الدولة هو سلسلة من الحروب الخارجية والداخلية وباعتبارها «قلب آسيا» كما تسمى تقاتل فوق أرضها العديد من القوى الخارجية للسيطرة عليها لكنها كلها هزمت في النهاية ولعل أكبر الهزائم شهرة هزيمة الانقليز في نهاية عام 1842م حيث قتل في معركة واحدة 16 ألف جندي انقليزي ولم ينج إلا طبيب (قيل إنه أبقي عليه كشاهد) ثم هزيمة الجيش الأحمر السوفياتي في الثلث الأخير من القرن العشرين وما اتفق عليه المؤرخون هو أن أفغانستان وإن كانت تحمل في ثنايا تنوعها العرقي واللغوي ما يسبب الكثير من الصدامات فإن التدخلات الخارجية التي قضت على مملكات استطاعت نشر السلام لعقود طويلة كانت السبب في مزيد التشرذم وإطالة أمد الحروب وتعددها... وحولت كل مكونات الشعب الأفغاني من دون استثناء إلى مقاتلين أشداء سهل عليهم حمل السلاح واستخدامه... وآخر فصول هذا السيناريو ما نجم عن الاحتلال الروسي من تشكيل جيوش عدة من «المجاهدين» بزعامات عرقية وقبلية (وبدعم من الغرب عدو الروس) والجميع يعرف أن تنظيم القاعدة مولود «جهادي» أمريكي وطالبان أنشأتها المخابرات الباكستانية. والباكستان أربعة أقاليم رئيسية ومناطق أخرى ذات أثر وشأن فيما جرى ويجري من أحداث.. ومن بين هذه المناطق وزيرستان وهي منطقة جبلية عصية في شمال غرب البلاد تجاور أفغانستان، ومساحتها في حدود 11500كلم2 كانت مستقلة تحكمها القبائل منذ عام 1893، وظلت خارج نفوذ الاستعمار الانقليزي بل حاربته بضراوة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية وألحقت بباكستان عند نشأة الدولة في عام 1947 ولم يحاول الزعيم محمد علي جناح إخضاعهم للسلطة المركزية لكنه استعان بهم كمقاتلين أشداء في حربه ضد الهنود في مقاطعة كشمير وتنقسم وزيرستان إلى منطقتين: شمالية وجنوبية ويقدر إجمالي عدد سكانهما بحوالي مليون حسب إحصاء عام 1998 في معظمهم من قبائل وزيريين ولهم لغة سائدة هي اللغة الوزيرية وهم بسطاء فقراء لا يملكون من الوزارة إلا الاسم ومعظم شبابهم يعملون في دول الخليج العربي، وهم أيضا من الباشتون أي أبناء عمومة للسكان الأفغان على الجانب الآخر من الحدود... وقد شاركوا في قتال الروس واستقبلوا رجال طالبان بعد الغزو الأمريكي وكذلك تنظيم القاعدة... وأصبحوا جزءا من الحرب الأفغانية عندما وسعتها أمريكا لمناطق الباكستان الحدودية وأصبحت لديهم ثارات شخصية بعدما قتلت الطائرات الأمريكية الكثير من أهلهم المدنيين وصارعوا الحكومة الباكستانية ما بين مارس 2004 وسبتمبر 2006 ثم وقعوا مع إسلاماباد اتفاقية لوقف القتال قبل أن تعود المواجهات من جديد وهم بطبيعة الحال ليسوا فقط من أنصار طالبان الأفغانية بل أصبحوا جزءا من طالبان الباكستانية مدفوعين بالعصبية القبلية والتضامن «الجهادي» ضد «الكفر الأ طلسي إضافة إلى أنهم موتورون من قفص الطيران الأمريكي». أما بالنسبة لأقاليم الباكستان فهي البنجاب والسند والأقاليم الشمالية المذكورة آنفا وإقليم بلوشستان على الحدود مع أفغانستانوإيران إضافة إلى كشمير وما يعنينا في حديثنا هذا هو بلوشستان وهي منطقة مثل سابقاتها تقطعت أوصالها بفعل التدخلات الخارجية ودخلت معمعة الصراع الحالي نتيجة واقعها الجغرافي والسياسي وقد أخذت التسمية في الأصل من (البلوص) والبلوص هم من بني سليمة بن مالك (العربي) الذي فرّ هاربا من إخوته بعد قتل أبيه عن طريق الخطأ من بلاده عمان إلى مكران واستقراره في كرمان البلوشية حيث أقام ملكا ضيعه ذريته بتناحرهم من بعده فرجعوا إلى أرض عمان ومنهم من بقي هناك محافظا على أصله العربي حسب ما ذكر ياقوت الحموي، وبلوشستان مقسمة حاليا بين أفغانستان والباكستان وإيران أما الجزء التابع لأفغانستان فقد ضمته إليها بريطانيا عام 1894م وأما الجزء التابع لإيران فقد ضمه الشاه رضا بهلوي عام 1929 وهو الآن يشكل ولاية إيرانية تسمى ولاية سيستان بلوشستان وأما الجزء الباكستاني والذي يشكل أكبر أقاليم الدولة فقد ضم إلى الباكستان بعد نشأتها وتحديدا في عام 1948 بعد 227 يوما من إعلان بريطانيا وثيقة استقلال مملكة بلوشستان والبلوش في المناطق الثلاث الغنية جدا بالثروات الباطنية الفقيرة جدا في عيش أهلها المتعرضة لمراقبة دائمة سواء لأنهم من السنة (بالنسبة لإيران) أو لأنهم ما فتئوا يطالبون بحقوقهم القومية وبعضهم ينادي بإعادة تكوين دولة البلوش أي الانفصال عن الدول الثلاث التي اقتسمتها.. ولم تنعدم التنظيمات التي تطالب بذلك ومن بينها تنظيم (جند الله) الذي قام بعملية التفجير الأخيرة في إيران والتي اتهمت طهران حكومة إسلاماباد بإيوائهم.. والقصة طويلة ومعقدة لكن ما لفت الانتباه تصريح أحد كبار ضباط المخابرات المركزية الأمريكية بأن واشنطن فكرت في وقت ما بدعم هذا التنظيم نكاية في حكام طهران لولا أن خافت أن ينقلب عليها مثلما فعلت القاعدة وجند الله لا يخفي تعاطفه بل تحالفه مع تنظيم أسامة بن لادن. المحصلة أن المنطقة كلها على برميل بارود بل أن النار بدأت تلتهم البعض من أجزائه وبالأخص «ستانات الأفغان والوزيريين والبلوش... وإذا كانت هذه المناطق تحمل في أحشائها ما يكفي من صواعق التفجير فإنه ممّا لا شك فيه أن الأيادي الأجنبية كانت سببا في الكثير من الحروب من فارس والمغول والقياصرة والانقليز قديما إلى الروس ومن تبعهم أي الأمريكيون وحلفاؤهم المحليون والأطلسيون... إن المراقب لا يخفى عليه أن الحرب آخذة في الاتساع جندا وعتادا ومساحة.. وتجارب الماضي ربّما تدفعنا إلى القول بأن بوش الصغير قد فتح بابا لعاصفة قد لا يستطيع خليفته أوباما إغلاقه مهما خلصت نيته ومهما «شجعته» لجنة أوسلو لجائزة نوبل للسلام.