دمشق «الشروق» من مبعوثنا: النوري الصل وأنت في دمشق... يصعب عليك أن تغادرها دون أن تكتشف المزيد من أسرارها... ودون أن «تتوغّل» أكثر في محاولتك لسبر أغوارها... حيث «تنام» أسرار الشرق كله.. وحيث «رائحة» التاريخ التي تجدها في أسواقها... هذه الأسواق التي تبدو لك وأنت تتجوّل فيها وكأنها لوحة إبداعية من الجمال.. يكاد يمتزج فيها الواقع.. بالخيال... أنت الآن في سوق الحميدية، أشهر أسواق دمشق ...والممتد من شارع الثورة حتى ساحة الحسكية المؤدية إلى الجامع الأموي بدمشق والذي يعود إلى 129 عاما وتعود تسميته إلى مؤسسه السلطان عبد الحميد الثاني.. في هذا السوق يباع كل شيء... فهو يحتوي على جميع أنواع البضائع وبأسعار الجملة.. وتتفرّع عنه أزقة صغيرة لأسواق تابعة... كل سوق متخصص في نوع من البضائع.. فهناك سوق العرائس المتخصص في بيع لوازم الأعراس... وهناك سوق البذورية وفيه يباع كل شيء يتعلق بالأغذية والحبوب والبذور... وهناك سوق الحريقة المتخصص في الأقمشة وسوق المسكية المتخصص في بيع الكتب والأقلام والأدوات المدرسية... من داخل هذا السوق يخبرك أحد البائعين بأن كل الأغراض الموجودة في هذا السوق... وبأسعار بخسة جدا... كلّ الأغراض موجودة نعم لكن الأسعار ليست بالتأكيد كما يصورها صاحبنا هذا.. فالمتأمل في بعض المعروضات يرى أن أسعارها مرتفعة... بل تكاد تكون في بعض الأحيان باهظة جدّا خاصة ملابس الأطفال والنساء... لكن في ذلك مرح البائع ا لذي يحاول بكل الوسائل أن «يستدرجك» حتى تقتني منه بعض الأشياء محاولا «التخفيف» من «صدمتك» هذه بعرضه عليك التخفيض في الأسعار... وعندما تتمسّك بالسعر الذي تقترحه أنت يجيبك قائلا «لا بأس خُذها هدية مني» لكن عليك أن تعلم أن هذه «الهدية» لا تعني أنك ستأخذها مجانا بل إنها تعني أن تدفع له مبلغا أقل قليلا من السعر الذي اقترحته أنت... تواصل جولتك هذه التي تجعلك تستمتع باتساع هذا السوق العريق وطوله وتنوع بضائعه لكنك قد تندهش في المقابل بالازدحام البشري الذي ستشاهده أمام المحلات الكبيرة في القسم الأخير من سوق الحميدية.. لكن دهشتك قد تتبدّد عندما تدرك أن هذه المحلات مازالت الوحيدة في دمشق التي تبيع «الآيس كريم» أو ما يعبّر عنه السوريون ب«البوظة» المصنعة بالطريقة اليدوية.. وإذا ما قرّرت الدخول إلى أحد هذه المحلات وتحمل الازدحام لتذوّق «البوظة» فإنك ستشاهد عمّالا شبانا توارثوا مهنة صنع «البوظة» اليدوية عن آبائهم كما ستشاهد صاحب المحل الذي يعتزّ بالمشاهير الذين زاروا محله وتذوقوا فيه «؛الآيس كريم» حيث يعلق صور بعضهم وهم في محله للذكرى ومنهم قادة دول من بينهم الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون. وإذا انعطفت نحو اليمين فستصادفك مجموعة من الأسواق الجميلة التي لا تقل أهمية عن سوق الحميدية ومنها سوق مدحت باشا الذي ينتصب بموازاة سوق الحميدية حيث تفصل بينهما أسواق صغيرة منها سوق البذورية.. لكن جولتك هذه لن «تدعك» تمر دون أن تأخذك لتذوّق «العرقسوس» المشروب المفضّل في سوريا وذلك من بائعه المتجول الذي يرتدي السروال والصدرية ودون أن تتناول الطعام الدمشقي والشرقي وحتى؛ الغربي وتحتسي فنجانا من «القهوة» في مطاعم ومقاه تنتصب بالقرب من الأسواق القديمة... ومن هذه الأكلات يمكنك أن تتذوق «الفول المدمّس» والمكبلات و«الباباغنوج» والمحمرا والسلطات و«التبّولة» والكباب وغيرها من الأكلات التي لا يمكنك أن تتذوقها... إلا في دمشق... ألم نقل إنها فعلا.. «سحر الشرق»؟