منذ أن تولّى سامي الطرابلسي مقاليد الإشراف على تدريب المنتخب الأولمبي، حاصرته سهام الانتقادات وتندّر «فقهاء كرة القدم» بأن الرجل لا يمتلك سجلا حافلا، أو خبرة أو شرط الشهائد... وكأنهم تغافلوا عن مسيرة رجل في عالم كرة القدم امتدت منذ 1980 في صفوف الحديد الصفاقسي (مع العلم أنّ سامي الطرابلسي من مواليد 4 فيفري 1968) إلى 1993 عندما انتقل إلى النادي الصفاقسي ثم في صفوف المنتخب منذ 1994 إلى حين اعتزاله في سنة 2003، وبهذا فإنّ الطرابلسي تربطه علاقة بالميادين قوامها زهاء عقدين ونيف من الزمن، حصد خلالها الثنائي مع النادي الصفاقسي في موسم 19941995 وكأس الاتحاد الإفريقي في 1998 وشارك في «ملحمة» 1996 مع المنتخب الوطني في جوهنزبورغ.. لكن كل هذا لم يشفع لسامي الطرابلسي الذي فتح قلبه ل«الشروق» ليرد على المشككين ويتحدث عن المنتخب وعن ذكرياته في هذا الحوار. بداية كيف هي الأجواء داخل المنتخب الأولمبي في الوقت الحالي؟ الأجواء داخل المنتخب طيبة وتساعد على العمل فأنا أعرف أغلبية العناصر المكونة لهذا المنتخب كما أن اللاعبين يعرفون بعضهم البعض من خلال نشاطهم في البطولة وهو ما سهّل عملية التواصل بيني وبين أبنائي. كيف تقيم المجموعة الموجودة على ذمتك من حيث المستوى الفني؟ في هذه النقطة يمكن أن أقول أن الفنيات والإمكانيات موجودة ونعني بذلك المادة الخام، التي من الممكن أن نبني على أساسها لاعبين ممتازين والدليل على ذلك أنّ أغلب العناصر تنشط ضمن صنف الأكابر في فرقها ولا يمكن أن نقول إنّها وصلت إلى ذلك المستوى بالصدقة... ما ينقص المجموعة في الوقت الحالي الانسجام والتكامل بما يؤدي إلى خلق لحمة، وهنا يكمن دورنا كإطار فنّي لمحاولة تجميع كل هذه المواهب وتكوين منتخب متماسك ونعمل على خلق طابع خاص به وشخصية مميزة تمكننا من تكريس اللحمة. هل تعتقد أنك على أتم الاستعداد لدخول التصفيات المؤهلة لأولمبياد لندن 2012؟ وهل أن فترة الإعداد كافية؟ من المنتظر أن تنطلق المباريات الرسمية في شهر مارس من خلال التصفيات المؤهلة للشبان ولذلك أعتقد أن الفكرة غير كافية لإعادة بناء فريق قوي لأننا سنجد أنفسنا نخوض تصفيات أولمبية صعبة.. المباريات الودية التي لعبناها إلى حد الآن لا يمكن اعتبارها مقياسا بسبب اختلاف الظروف والوضعيات وربما ستكون مباراتنا ضد المنتخب الفرنسي في منتصف نوفمبر اختبارا حقيقيا يعكس مدى جاهيزتنا. هل ستحاولون البحث عن لاعبين محترفين خارج الوطن لتدعيم صفوف المنتخب؟ لا... نحن لا نفكّر في ذلك في الوقت الحالي، لأنّ استراتيجيتنا تقوم على جمع اللاعبين المحليين المتميزين في فرقهم والأولوية ستكون لمن تدرجوا في مختلف منتخبات الشبان، لأننا نبحث عن الاستمرارية بين مختلف أصناف المنتخبات في حين يبقى الباب مفتوحا للقادرين على تقديم الإضافة. مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقكم من أجل الترشح إلى الأولمبياد فهل أنتم قادرون على النجاح؟ قبل الحديث عن النجاح أو الفشل، يجب أن نقول إن العمل في صفوف المنتخب مسؤولية كبرى لأننا مطالبون بتشريف الراية الوطنية والدفاع عنها ومن هنا تكمن صعوبة المهمة لأنك ستحمل أحلام شعب كامل أما النجاح فهو طموح الجميع ولا يمكن أن نجزم في ذلك الآن لأن الظروف والمعطيات قد تخدمك وقد تكون ضدّك. كلام كثير قيل في شأن تعيينك كمدرب أولمبي فما هو تعليقك؟ أريد أن أوضح أن كل ما قيل في شأني أو في شأن علي بومنيجل مرده غيرة الجميع على مصلحة المنتخب وليس تصفية لحسابات شخصية كما روّج البعض بالنسبة لي أعتقد أنني أحظى باحترام وتقدير الجميع. ولكن الحديث وصل إلى حد التشكيك في قدرتك وكفاءاتك فما هو ردّك؟ أقول إن من شكك في قدرتي نسي أنني لاعب كرة قدم وبالتالي لست مُسقطا على مجال لا أفقه فيه الشيء الكثير كما أننا أصبحنا نعيش قمة التناقض فقد كان الجميع يطالبون بإعطاء الفرصة لأهل الاختصاص وفسح المجال أمامهم للمسك بزمام الأمور وعندما تم هذا الأمر وجدت تعلات جديدة واهية لا أساس لها من الصحة. لكن أغلب الانتقادات مردها فقدانك لشهادة الدرجة الثالثة ونقص الخبرة فما هو قولك؟ الشهائد لم تكن مقياسا لنجاح المدربين وأنا متحصل على الدرجة الثانية في التدريب، لأن هناك عدّة عوامل أخرى قد تقف وراء نجاح المدربين، وأقول لمن يطالبون بالشهائد أن يؤجلوا حكمهم القاسي إلى حين انطلاقة الجديات ولن أطيل في الحديث وسيكون الميدان هو الفيصل بيني وبين المشككين وقد تثبت الأمثلة صحة ما أقوله فالمدرب الفرنسي جون فرنانديز يشهد له الجميع بالكفاءة لكنه لم ينجح مع النجم في المقابل نجح بالاتشي مع الإفريقي وهو الذي اعتبره البعض «نكرة» أو «مغمورا» حينها. من المنتخب الأولمبي إلى المنتخب الأول كيف ترى حظوظنا في التأهل إلى المونديال؟ في الحقيقة يبدو أنّنا عوضنا حلم التأهل بكابوس مرعب من خلال تسليط ضغط كبير على اللاعبين في المباراة القادمة ضد الموزمبيق والحال أننا نملك مصيرنا بأيدينا وهذا التشكيك مصدره أصحاب الذاكرة الضعيفة الذين حوّلوا المنتخب من قوة لا تقهر بعد مباراة نيجيريا إلى فريق ضعيف قد يسقط في الموزمبيق وهو ما من شأنه أن يؤثر سلبا في اللاعبين وعلينا أن نأخذ العبر من الجمهور المصري الذي يحشد دعما كبيرا لتشجيع منتخبهم بالرغم من إيمان الجميع بصعوبة المهمة في المباراة الأخيرة ضد الجزائر. ما هو الفرق في نظرك بين المنتخب الذي عايشته ولعبت معه وبين منتخبنا اليوم؟ الفرق حسب اعتقادي أننا كنّا نملك فريقا قويا من حيث الفنيات الفردية ومن حيث اللحمة و«القليب» حيث كنّا نستمد قوتنا من روح المجموعة،، وهذا لا يعني أنني أشكك في وطنية أي عنصر من عناصر المنتخب في الوقت الحالي ولكن أقول إن تلك الروح الوطنية لا تتوفر عند كل اللاعبين بنفس القيمة.. لكن ميزة المنتخب الحالي هو الانضباط التكتيكي العالي ونسق اللعب المرتفع الذي يرتبط أساسا بتطور مستوى الكرة على الصعيد العالمي. هناك انتقادات كبيرة طالت الدفاع التونسي، فما هو تقييمك لمردود دفاع المنتخب؟ أعتقد أن المنتخب يضمّ في الوقت الحالي، أفضل المدافعين التونسيين على الساحة وقد برز الانسجام والتكامل على أغلب المدافعين وذلك لأنّهم قادمون من نفس الأندية حيث لعبوا جنبا إلى جنب لفترة طويلة ولكن تبقى ميزة المدافع شخصيته القوية وقدرته على العطاء وصنع الفارق خاصة في مركز حساس يمكن أن يؤثر في أداء بقية عناصر الفريق. هل تعتقد أن غياب راضي الجعايدي في هذا الوقت قد يؤثر في المنتخب؟ هذا أمر مؤكد لأن الجعايدي يتمتع بخبرة المواعيد الكبرى وحتى إن كان على المستوى البدني أو الفني غير جاهز فإن وجوده في وسط مجموعة شابة سيكون مفيدا أكثر لذلك فإن عودته مطلوبة. بالنسبة لكريم حقي هل ترى أنه جدير بحمل شارة القيادة في المنتخب؟ لا أتصوّر وجود لاعب يستحق قيادة المنتخب في الوقت الحالي، أكثر من كريم حقي فهو اكتسب خبرة كبيرة رغم صغر سنه كما يتمتع بإمكانات عالية بفضل استفادته كثيرا من عالم الاحتراف... شخصيته تعكس صورة إنسان قيادي بأتم معنى الكلمة ونتذكر جميعا كيف قام بدوره على أكمل وجه في مباراة نيجيريا حينما كان مطالبا بتأطير مجموعة شابة وقد نجح في ذلك. لديك ذكرى خاصة مع شارة القيادة في المنتخب أليس هذا صحيحا؟ أعتقد أن حصولي على شارة القيادة في المنتخب كان عاديا للغاية، فقد تحصّلت عليها منذ 1996 عندما هبت رياح التغيير داخل صفوف المنتخب وأعتقد أني كنت جديرا بذلك وبكل تواضع كنت منذ صغري أتمتع بخصال القائد وألمس في نفسي قدرة على أداء هذا الدور. لكن هذا الأمر خلّف شرخا عميقا في العلاقة بينك وبين القائد السابق وقتها، شكري الواعر؟ أعتقد أن الأمور أخذت أكثر من حجمها بخصوص هذا الموضوع لأنني لم أفكر يوما في «انتزاع» شارة القيادة من شكري الواعر وهو يشهد بذلك بالإضافة إلى المدرب الوطني علي السلمي، ومحمّد الغربي... تحصلت على شارة القيادة بعدما مرّ شكري الواعر بفترة فراغ إثر نهائيات كأس إفريقيا سنة 1996، ووقعت له مشاكل مع المنتخب، فتحملت المسؤولية وهو شرف كبير لي ولكنني أريد أن أنتهز الفرصة لأفنّد كل الشائعات التي تحدثت عن سوء العلاقة بيني وبين شكري الواعر منذ ذلك الوقت فنحن صديقان إلى يوم الناس هذا. وماذا عن «ملحمة» 1996 يبدو أنّك تحتفظ بذكرى سيئة عنها؟ نعم... إنّها ملحمة التناقضات، فقد كنت سعيدا بنجاحنا في بلوغ النهائي، بعدما ذهبنا إلى جنوب إفريقيا وسط أجواء مشحونة حيث كان أكبر المتفائلين في تونس يتوقع عودتنا بأقل نتيجة ثقيلة ممكنة بعد فشلنا في كأس أمم إفريقيا 1994 لكننا كذّبنا كل التوقعات ونجحنا في الوصول إلى النهائي بمجموعة تسلّحت بالدفاع عن سمعة تونس... لكن الذكرى السيئة تتمثل في غيابي عن الدور النهائي تحسرت كثيرا على ضياع تلك الفرصة التي لا تتكرر كل يوم وقد كانت أقصى ما يحلم به لاعب كرة القدم. يبدو أنّك لم تنس قضية «سكاي نيوز» القناة البريطانية حينما بثت صورتك على أنك «نزار الطرابلسي» المتهم حينها بتهمة الإرهاب؟ نعم لقد كانت تلك القضية من «أطرف» ما حصل لي في حياتي كلّها فقد صدمت حيث تم تصويري على أنني إرهابيّ وتلقيت العديد من ردود الفعل وقد زاد من تعقيد الوضع أنّها كانت بعد 2001. ألم تشعر بالخوف حينها وكيف كانت ردّة فعلك؟ لم أخف ما دمت لم أفعل شيئا وقد كنت بريئا براءة الذئب من دم يوسف، وقد قمت برفع قضية ضد القناة ووقع جبر الضرر المعنوي وتحصلت على تعويض مادي. لديك حرية اختيار كلمة الختام؟ أشكر «الشروق» على هذه الاستضافة المطولة وأتمنى أولا ترشح منتخبنا للمونديال ومن ثم نجاحنا على رأس المنتخب الأولمبي.