انتظار قضيت العمر في انتظارك هجس وهو يراها لأول خفقة لماذا تأخرت كلّ هذا الوقت؟ أومأت بابتسامة باذخة فأشرعت نوافذ للفرح وانسابت ينابيع خضراء وأورقت في القلب مرايا... اطمأن الكاتب الشاب لهذه البداية إنها مغرية كالفتاة التي يحاول الآن صياغة تفاصيلها. توقف لتدخين سيجارة أخرى (تمنى أن تكون الأخيرة). هاله الفراغ وعصفت في روحه تداعيات ممضة: لماذا يكتب ولمن؟ لتجميل الحياة!... إجابة مشجعة على مواصلة الكتابة لولا انحباس الصور بانبجاس أهازيج الجوع والوحدة والصقيع لو كان إحدى شخصياته القصصية لقصد أقرب مقهى أو مطعم أو فندق أو سينما.. ولعاد عند الهزيع الأخير من الكأس مرفوقا بامرأة عمومية ليكافحها: كيف تحتمل حياتها؟ نوى كاتبنا الشاب أن يواصل القصة لاحقا هذا ما يرجوه عادة دخن سيجارة أخرى ثم نام على الورقة! خبر عاجل في المطار أخيرا... دقائق يتحقق الحلم، دقائق ويرحل عن عالم البطالة والرفض والصمت الذي لازمه منذ تخرّجه الجامعي.. سنوات ثقيلة أهدرت في المناظرات والوعود والخيبات.. لقد ظفر أخيرا بتأشيرة سفر للعمل بنزل «السعادة القصوى» بفرنسا، هناك سيرمّم ما تداعى من إنسانيته النازفة.. ويلتحم بعالم الأنوار.. سينتفض من رماده كطائر العنقاء... هجس بهذه الأفكار وغيرها ونوارس البهجة تنطلق من عينيه لترفرف على وجود المسافرين وتتملّى تفاصيل المكان وهندسته العصرية.... ثمّ تتسمّر أمام شاشة التلفزة العملاقة المعلّقة ببهو قاعة الانتظار: أعلن في خبر عاجل عن تفجير إرهابي هزّ أركان السعادة القصوى.