... 7 قتلى في حادث انهيار مصنع للأثاث بسوسة سقوط عامل بناء من الطابق الثاني داخل حضيرة بناء بأريانة... مصرع عون بلدي حين صدمته شاحنة رفع الفضلات داخل المصب ورفعته دون قصد... سقوط معينة تنظيف تابعة لشركة خدمات خاصة من طابق احدى المؤسسات... حوادث عدة اختلفت تفاصيلها... تفاوتت أرقام ضحاياها... نرى أشباها لها كل صباح مخالفات وتجاوزات ضد القانون تعترض سبيل أعيننا وتقتحم ذاكرتنا... عمال معلقون الى نوافذ بلورية يطلون الجدران وآخرون لا تحميهم إلا بقايا أخشاب مهترئة مشدودة الى حبال تم توثيقها يدويا... وعاء حديدي ضخم مملوء بالرمل يجرّه مراهق في السادسة عشر ربيعا الى الطابق العاشر... فيثقل يديه الصغيرتين ويهوي الى الارض... اندثرت الرمال الى الطريق العام ولم يصب المارة إلا بالفزع... بالجانب الآخر من الشارع امرأة متقدمة نسبيا في السن بمنديلها الازرق أكثر من نصف جسدها يطل الى الطريق العام تمسك بسطل ماء ومنهمكة في تنظيف النافذة غير المحمية بواقي حديدي... مشاهد خطيرة... قد يترتب عنها في أي لحظة حادث قاتل قانونا يعتبر حادث شغل وواقعا هناك إشكاليات عدة مرتبطة ارتباطا وثيقا بوضعية تلك العاملة وذاك العامل. ... رغم برودة الطقس نسبيا إلا أنه كان يستر جسده بمريول نصف كم... محمد علي أصيل منطقة ريفية بولاية الكاف... نزح الى العاصمة قبل حوالي 8 أشهر بدعوى من قريبه الذي يشاركه السكن في غرفة قصديرية تابعة لاحدى حضائر البناء... غذاؤه اليومي خبز وحليب وأحيانا «مقرونة جارية»... انقطع عن التعليم من سنته الخامسة ابتدائي... وهو الرقم 6 في عائلته... محمد علي لم يسمع يوما بقانون للشغل ولا بالسلامة المهنية يعمل من الساعة السادسة صباحا الى حدود الرابعة والنصف بمبلغ 15 دينارا تحت خطة عامل بناء... هاته «الصنعة» التي أورثها له والده قبل وفاته هو الآخر إثر شلل دائم أقعده طيلة 10 سنوات بعد سقوطه من بناية كان يعمل فيها بجهة سليانة... ورث محمد علي البطالة كما ورث عملا يتقن واجباته فيه ويجهل حقوقه... تكفيه تلك الدنانير التي يتقاضى نصفها مجزّأة والنصف المتبقي دفعة واحدة خلال نهاية الاسبوع... إذ تحدث باقتضاب ملتفتا يمنة ويسرة خوفا من قدوم رب عمله المقاول الصغير الذي قبل به داخل الحضيرة رغم عدم امتلاكه لبطاقة تعريف وطنية: «خمسة عشر دينارا سعر مغر لمن هو في وضعيتي... لا يهمني أن يقتطع منها جزء لأي جهة... سأجمع بعض المال وبعد انتهاء المدة (8 أشهر أخرى) أعود الى مسقط رأسي وقد أعود من جديد لأجل حضيرة ثانية... لم يكن كلام محمد علي مفردا بل شاركه فيه قريبه الذي يعمل في هذا القطاع منذ أكثر من 5 أعوام معتبرا أن «عرفه» حنون إذ ساعده قبل عامين في دفع فاتورة علاج رجله المكسورة إثر سقوطه المفاجئ من المدرج؟! صديقتي ماتت ولكن!! ليلى امرأة في عقدها الخامس تشغل خطة عون تنظيف داخل مؤسسة خاصة تتقاضى أجر 80 دينارا في الشهر مقابل العمل طيلة الفترة الصباحية تحدثت رغم اقتناعها الشخصي أن الكلام لا يمكنه أن يضيف أيضا باعتبارها طرقت عشرات الابواب خلال السنوات التي عملت فيها وخاصة حين سقطت زميلة لها في العمل من الطابق الاول وهي بصدد تنظيف نوافذ المؤسسة... هذه الزميلة توفيت على عين المكان وتيتم أطفالها الثلاثة ولم تجد عائلتها حقها المادي الى اليوم. السيدة ليلى وبحماسة علقت: «إنهم يخالفون القانون... إنهم سماسرة عرقنا ورغم ذلك يفوزون بالصفقات ورغم ذلك ينجحون في أعمالهم ويجمعون المال... لا شيء يحمينا... أعرف أن الكثيرين يحصلون على الحماية الكاملة أثناء عملهم لتفادي الاخطار بعكس ما يحدث في عدة قطاعات أخرى». «خبزة الأولاد»! صالح والطاهر شابان في مقتبل العمر نزلا لتوّهما من السلم الخشبي الذي كان يشدهما الى الطابق الخامس بحضيرة بناء بالعاصمة امتلأت عيونهما ببياض الدهن الذي كانا يطلوان به الجدران مسح الاول عينيه ببقايا تلابيب سترته فيما شرع الثاني في فرك يديه بمادة سائلة ذات رائحة نتنة... بدا من ملامحهما أنهما ذكيان إلا أنهما لم يدخلا يوما برنامجا للحماية الصحية أو المهنية. صالح الذي يعاني من حساسية في عينيه والطاهر المصاب بمرض السكري صديقان جمعتهما ظروف الحياة في هذه الحضيرة وقد يفترقان بانتهاء المهمة... حالهما كحال غيرهما من العاملين في القطاعات الحساسة التي تفتح مباشرة على الامراض والحساسية والموت دون موعد مسبق... بعضهم دارون بالمسؤولية وآخرون يجهلون تفاصيل حقوقهم في هذا الوطن... معرضون لكل الاخطار ورغم ذلك صامتون وأصحاب الحضائر ومالكو المقاولات غير مبالين بغيرهم... هذه المخالفات من كثرة ما رأيناها ونراها يوميا في كل الحضائر تقريبا حضائر لمشاريع مهمة... وسط العاصمة وبشوارعها الرئيسية... دخلت حيز الامور العادية... مواطنون عمال يتدلّون الى الشارع وحضائر مفتوحة دون أبسط قواعد للحماية حماية عملتها وحماية المارة بالطريق العام من مترجلين وسيارات فمن المسؤول؟ من نحمّل مسؤولية مراقبتهم؟ وهل ننتظر دوما... فاجعة جديدة لتحتل صفحات إعلامنا الاولى لنتعظ. سميرة الخياري كشو