لم يتراجعوا فتراجعوا، وطلبوا منا التراجع . تراجع أوباما امام اصرار وعناد نتنياهو وجاء الدور على محمود عباس لان الضغط على الأضعف اسهل . وبما ان هذه المعادلة هي الأوضح والأبسط، فإن الوجه الآخر لها هو ان كل ما يزيدك ضعفا يجعلك اكثر عرضة للضغوط ويجعل الأذن التي تصغي اليك صماء. ذاك ما ينطبق على الوحدة الفلسطينية التي بات استمرار انفصامها يشكل عارا كبيرا على الجميع، وفي مقدمتهم الرئيس الذي يفترض الذي يبدأ عجزه بكونه عاجزا عن ان يكون رئيس الجميع، كما كان ياسر عرفات رغم كل الخلافات. وذاك ما ينطبق على العرب كلهم الذين تشرذموا بحيث اصبح بعضهم أفضل عصاة يضرب بها ظهر البعض الآخر. فالى متى يستمر قادة هذه الامة في تعميق جرحها بحيث يلعقون من دمه ما يظنون انه غذاؤهم، في حين تنقسم الشعوب بين من ينضم بغباء الى المائدة فلا يلحقه منها الا رائحة الدم، وبين من ينتبه الى وجع الجرح فيحال بينه وبين الدواء . اننا امة القطط، بعضنا القطة الأم التي تحمل الجراء الصغيرة بفمها اتقاء من الشر وبعضنا القط الاب الذي يبحث عن جرائه كي يقتلها او يأكلها . فالى متى؟ الى متى نصر على تقمص ملوك الطوائف ولا نسمح لروح زنوبيا او صلاح الدين بان تقترب منا ؟ الى متى تباع تضحيات شهدائنا وعذابات احيائنا في سوق نخاسة، كان يوما، حيا صغيرا في بغداد فأصبحت بغداد كلها تضج به وتقصر عنه؟ اسئلة لا يتحمل مسؤوليتها الاجنبي بقدر ما يتحمل مسؤوليتها من يتولى امورنا، ولا يتحمل هؤلاء مسؤوليتها بقدر ما يتحملها مدمنو التصفيق والزغردة والتلويح بالصور. فهل رأى هؤلاء وجه هيلاري كلينتون وهي تطلب من محمود عباس التخلي عن مطلب تجميد الاستيطان؟ السيدة التي ابتهج العرب بان لون رئيسها ليس بشقرة لون شعرها، لم تكتف بالانحناء امام اصرار اسرائيل على الاستيطان، بل طالبت الفلسطينيين بالقبول، دون ان يعيقها اي تفكير بعرب الخليج الذين تحتاجهم بلادها اكثر من اي وقت مضى لدرء أزمتها الاقتصادية، او بالذين بدونهم يفشل مشروع العراق وتنهار معه هيمنتها على العالم، او بعرب المغرب الذين يجعلهم موقعهم وجغرافيتهم وديمغرافيتهم ضرورة لكل قوة عظمى، لا ولا حتى ان تحسب حساب المسلمين الذين يكفيهم ان أوباما اغدق عليهم خطابا بليغا . كذا هي المقايضة: لنا خطاب من على منبر، ولهم ارض الرباط، ومنبر صلاح الدين لنا قدر من الكلام، لا يتعدى ساعات، ولهم الارض وما عليها لنا كلام ليل يمحوه نهار يعود فيه وضوح الاشياء الى حاله، وتسقط فيه الاقنعة والاوهام . لنا خطاب أوباما لا شيء فيه غير الكلام ولهم مطلب كلينتون الذي لا ينشىء الفعل بل يكرسه. فقد كانوا يبنون بينما كنا نصفق للرئيس الاسمر ونحلم بالترياق القادم، وبانتظاره نقتل بعضنا كي نتسلى انه الدرس الأكبر الذي يعيدنا الى واقع ان الصراع هو اولا وأخيرا على الارض وكل ما عداها نتائج. وان كل ما نفعله خارج التشبث بالارض هو هباء منثور.