تمرّ هذه الأيام الذكرى الثانية والتسعون لوعد بلفور المشؤوم، وهو الوعد الذي قدمت من خلاله حكومة بريطانيا للحركة الصهيونية حقّ إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين العربية. في اليوم الثاني من شهر نوفمبر سنة 1917 أصدر وزير الخارجية البريطاني جيمس آرثر بلفور تصريحا مكتوبا موجها باسم الحكومة البريطانية الى اللورد ليونيل روتشيلد، يتعهد فيه بإنشاء «وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين» وجاء في المكتوب أيضا بأن «حكومة صاحبة الجلالة» ستبذل كل ما في وسعها لتسهيل تحقيق تلك الغاية». وتأتي ذكرى وعد بلفور أمام صمت عربي وصراع فلسطيني داخلي بلغ حدّ التناحر.. في الوقت الذي تلعب فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن ورائها بريطانيا وبعض الدول الأوروبية دور من يدير الصراع لفائدة الحركة الصهيونية، التي استطاعت إقامة مشروعها الاستعماري على أرض فلسطين، ولكن تحت عنوان راعي السلام، مستخدمة التفاوض أسلوبا للخداع. ومع ذلك فإن بعض الدول العربية والسلطة الفلسطينية تراهن على هذا الدور، الذي تواصل بأسلوب مسرحي منذ أوسلو أي منذ ما يقارب العقدين من الزمن. ولعلّ موقف الادارة الأمريكية بقيادة باراك أوباما كان واضحا إذ صرّحت علنا بدعوة السلطة الفلسطينية الى ما يسمّى بطاولة المفاوضات دون شروط، أي التفاوض تحت حصار بناء المستوطنات وقتل الانسان في غزة وفي بقية المناطق الفلسطينية. وتأتي اليوم ذكرى وعد بلفور المشؤوم أمام مسؤولية تاريخية بريطانية عن جريمة وعن سلوك لا أخلاقي ليس فقط ضد العرب والفلسطينيين بل وحتى ضد اليهود، فأوروبا كانت ومازالت تسعى لإيجاد حلّ لما يعرف بالمسألة اليهودية القائم على ضرورة التخلص من اليهود وحشدهم في «غيتو» عالمي خارج أوروبا ويقوم هذا الكيان بدور «رأس الحربة» فيتم تكليفه بالعدوان بالنيابة، ومع ذلك يرى بعض الباحثين بأنه وفقا للحتميات التاريخية، فإنه لا شكّ بأن تلك الوظيفة منتهية لا محالة وبالتالي قد يكون مؤشرا على النهاية لما يسمّى بالدولة الصهيونية. غير أن النهاية الوظيفية قد يكون مدخلها الرئيسي هو وحدة الفصائل الفلسطينية على أرضية وطنية تحرّر الأرض والانسان.