القاهرة (الشروق): حوار فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي تزامن الشكر مع الشكر.. فكان صوت السيد عمرو موسى هو السبّاق.. كما عادته دوما.. ببشاشته المعهودة وبكل المودّة التي يكنّها لتونس استهلّ الأمين العام لجامعة الدول العربية، هذا اللقاء الذي خصّ به «الشروق» مشكورا، بعبارات جميلة فيها الشكر وفيها المجاملة وفيها الكثير من الحبّ لتونس ولأهل تونس.. بدا نشيطا كما عهدنا عمرو موسى دوما.. حركية مسّت كامل الطابق الذي يتوسطه مكتبه: مكتب الأمين العام لجامعة الدول العربية.. تقبّل كل الأسئلة بأريحية، وكانت أجوبته في جلّها عناوين لأخبار جديدة، يقولها موسى لأول مرة، وعلى صفحات «الشروق».. عن الجامعة العربية وطرق تناولها لملفات العمل العربي المشترك تحدّث، وعن العراق والاحتلال والمصالحة كان له كلام عن لبنان وعن فلسطين تحدّث موسى ووصف المشهدين توصيف العارف لكُنْه التحديات، التي تواجه البلدين والمنطقة. في هذا الجزء الأول من الحديث الذي خصّ به «الشروق» كانت البداية مع السؤال العام حول مؤسسة جامعة الدول العربية. معالي الأمين العام، تعرّضت مؤسسة العمل العربي المشترك طوال الخمس سنوات الماضية خاصة الى العديد من الامتحانات في البحث عن الحل وفي تشريح المستجد من القضايا، في العراق المحتل وفي لبنان وفلسطين بفعل الحرب الاسرائيلية على هذين الشعبين: كيف يرى الأمين العام لجامعة الدول العربية هذه المحطات وكيف يقيّم أداء الجامعة والنظم العربية تجاهها؟ أولا، دعيني أعبّر عن سعادتي، أن أتحدث الى جريدة «الشروق» والى الشعب التونسي من خلال «الشروق»، وأرى أن السؤال مهم، خصوصا أنه يتحدث عن العمل العربي المشترك، والذي كانت تونس الطرف المهم فيه، حيث شهدت تونس ميلاد الوثيقة الشهيرة للتطوير والاصلاح، والتي تضمّنت كل جوانب الحياة العربية في العمل العربي المشترك، بداية من الحديث عن الديمقراطية والشفافية وحقوق المرأة وصولا الى الحديث عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتطور الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات العربية، وذلك بالرغم من الصعوبات البالغة التي تواجه الجامعة العربية بالنسبة لمفاهيم التحديث والتغيير حيث تعتبر غير مقبولة من البعض طبقا لبعض التوجهات ولكنها منتظرة ومطلوبة من قبل العالم العربي. وكنّا كجامعة قادرين على التحرّك في هذا الاتجاه، وكان من نتائج هذا التحرّك عقد مؤتمر قمّة يختص فقط بالقضايا الاقتصادية والتنموية للعمل العربي المشترك، من خلال عقد القمة الاقتصادية بالكويت في جانفي الماضي. وهناك أمور كثيرة ليست معروفة وهذا يرجع في رأيي الى قصور لدى الإعلام الذي ربما يركّز أكثر على الجوانب السياسية.. ولا أتهم فقط الاعلام العربي في التقصير في توضيح هذه الملفات، بل وأيضا إعلام الجامعة العربية نفسه. فمثلا عندما نراجع النشاط والحركية في بناء الطرقات والسكك الحديدية وكافة البنى الأساسية على صعيد الربط الكهربائي العربي بين المشرق والمغرب، سنجد العديد من الانجازات. فالصندوق العربي للتنمية، انتهى مؤخرا من ربط موريتانيا بالعيون (جنوب المغرب) كما تم إنجاز طرقات دولية تربط بين تونس والجزائر، وتونس وليبيا وجزئيا تم الانتهاء من ربط الطرق بين ليبيا ومصر.. وهكذا.. وما نريده ونحتاجه ونتوجه اليه هو استمرار هذا الطريق في المشرق بنفس النشاط. فتلك مشاريع متفق عليها لإقامة آلاف الأميال من الطرق.. وكلها على خارطة التنفيذ وليس التخطيط وعموما فالموقف العربي يتقدّم على العديد من الأصعدة من قوانين الملكية الفكرية من لجان على مستوى الخبراء في مجال المرأة والطفل، والأسرة والبيئة: وهناك ورشات عمل داخل الجامعة العربية تتم بشكل يومي، لدفع التنمية الاجتماعية (البشرية) والجامعة العربية هي نقطة إلتقاء وواسطة العقد ما بين أطراف العمل العربي المشترك، في نفس هذا الإطار، فقد فتحت الجامعة أبوابها للمجتمع المدني.. كما ان البرلمان العربي بدأ يظهر ويتبلور ولن يظهر أكثر إلا بعد ان ينتقل من مرحلة البرلمان الانتقالي الى البرلمان العربي الكامل. أما على الصعيد الثقافي فنحن نتحدث عن قمّة ثقافية. ونحن في هذه المرحلة، على اتصال بمسؤولين عرب، ومنظمات غير حكومية، وباتحادات الكتّاب العرب، لبحث إعداد قمة ثقافية عربية ولدت فكرتها منذ حوالي عشر سنوات. متى كانت الولادة؟ ولدت الفكرة عندما اشتد الحديث عن صراع الحضارات وتحديدا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وقد بدأنا نضع فكرة قمة عربية ثقافية، موضع التنفيذ خلال السنوات الاخيرة حيث ان الجامعة تقوم بنشاط كبير وتشارك في جميع المحافل التي تناقش هذه القضية. ودعيني هنا أذكّرك بأول مؤتمر ضمّ مائة مفكر وفيلسوف من الوطن العربي ومن الخارج بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حول صراع الحضارات وهو الذي وضع اللبنة الأساسية للعمل الثقافي والاجتماعي لمواجهة الهجمة الشرسة على الحضارة العربية. ولعله في هذا الاطار بالذات قادت الجامعة العربية مبادرة الذهاب الى معرض فرانكفورت للكتاب للمشاركة كضيف شرف بشكل جماعي عربي ولأول مرة، هذا رغم ان عددا من الدول العربية رفضت ذلك وكان ذلك سببا لتأجيل قمة تونس من مارس الى ماي 2004. وانضم تحت لواء الجامعة العربية 19 دولة عربية شاركت في المعرض رغم كل الجدل الذي سبقها... وفي رأيي ان المعرض كان من أعظم الفرص التي أتيحت للثقافة والحضارة العربية حيث كان هناك العديد من الفرق الفنية مصرية وتونسية وغيرها تجوب الطرق في فرانكفورت لتقدّم عروضا من أجمل ما يكون طوال أيام المعرض... ورغم ان محاولات الشد الى الوراء كانت عديدة الا ان الجامعة العربية كانت تقاوم بقوة في السنوات الثماني الماضية... واعتقد اننا لو نجحنا في الاحاطة بالمشاكل السياسية للوقت الراهن يمكن أن ندفع بالعمل العربي المشترك خطوات الى الأمام بعد ان حققنا نجاحات مهمة على الاصعدة الاخرى. الجزء الثاني : ملفات سياسية شائكة يفتحها عمرو موسى مع «الشروق».