المشهد لم يكن عاديا بالمرة، بمفترق طريق قرمدةبصفاقس، 3 شبان يهرولون ويركضون أمام المارين والمتساكنين وبعضهم يحمل أسلاكا من النحاس... حاولوا الفرار من هنا وهناك معتمدين على مداخل العمارات وبعض الانهج الضيقة والمظلمة، لكنهم لم يفلحوا أمام إصرار أعوان الأمن السريع بصفاقس الذين ألقوا القبض عليهم جميعا ليكشفوا عن شبكة مختصة في سرقة النحاس وأسلاك الكهرباء التي ينقلونها على سيارة تاكسي لتذويبها والتفريط فيها في شكل نحاس. المشهد كان غريبا في لحظات الفرار، لكن الاغرب منه نوعية الجرائم التي ارتكبها الثالوث من حيث نوعية المسروق، فارتفاع سعر النحاس في الاسواق الداخلية أوحى للثالوث بالتخصص في النحاس بكل أشكاله سواء كان في شكل قضبان أو حتى أسلاك كهربائية. والواقع أن مثل هذه الجرائم تكررت بصفاقس، فكم من مدرسة ابتدائية سرقت تجهيزات مياهها وحنفياتها صيفا، وكم من مسجد أو بناية في طور البناء افتقد صاحبها «نحاسه»، بل بعض الطرقات خيم عليها الظلام بعد أن تمكن الجناة من سرقة أسلاكها الكهربائية... الجرائم تكررت، والمجهودات الامنية بصفاقس نوعت من طرقها للقبض على المتهمين بفضل مراقبة الطرقات ووسائل النقل وهي طريقة أثلجت صدور كل الاهالي لنجاعتها. فبعد «لصوص البحر» الذين يعتمدون الصيد بالكركارة والكيس لنهب خيرات البحر والذين تم القبض على بعضهم لحظة نقلهم للاسماك في اتجاه أسواق صفاقس، جاء دور لصوص النحاس بصفاقس الذين تم القبض عليهم عند نقلهم للمسروق. ويؤكد البعض ممن لاحظوا الواقعة، أنه ليلة أول أمس، وبمفترق طريق ڤرمدة في منطقة تعج بالساهرين والمتساكنين، أوقف أعوان الأمن السريع بصفاقس سيارة تاكسي يقلها سائق وراكبان، وللتحري طلب الأعوان بطاقات الهوية للتثبت في الراكبين وصاحب السيارة، إلا أن أحدهم فتح الباب الخلفي فجأة وفر مسرعا في اتجاه الانهج المظلمة وهو نفس التصرف الذي عمد اليه الراكب الثاني لكنه حرص على حمل بعض الامتعة معه... أعوان الأمن السريع، وبسرعة ملحوظة أوقفوا الشابين رغم جنوحهما للفرار كما أوقفوا صاحب التاكسي، والغريب في الامر أنهم لما فتشوا السيارة من الداخل وصندوقها الخلفي وجدوا كميات كبيرة من أسلاك الكهرباء قال الشبان إنهم استولوا عليها من بعض الفضاءات وهو يعتزمون نقلها ليلا لبعض الضيعات الفلاحية لتذويبها والتخلص من البلاستيك العالق بها حتى يتسنى لهم التفريط فيها بالبيع في شكل نحاس. أمام هذه الاعترافات تم إيقافهم جميعا للتحري، كما تم حجز كل المسروق لتنطلق الابحاث مع الشبان الثلاثة الذين من غير المستبعد أن يكونوا قد نفذوا العديد من الجرائم المماثلة وهو ما ستكشفه التحريات في انتظار إحالتهم على العدالة لتنظر في شأنهم.