حرب «داحس والغبراء» لمن لا يعرفها من المستغربين من العرب المستعربين الحاليين هي حرب دامت سنين طويلة بين قبيلتي عبس وذبيان حول فرسين تسابقا فاختلف أيهما كانت الأولى لتندلع حرب شعواء بين القبيلتين أتت على الأخضر واليابس رغم أن الأخضر ساعتها كان قليلا جدّا. ما ذكرني بتلك الحرب التي اندلعت لسبب تافه جدا هو ما يحدث الآن بين مصر والجزائر من مشاحنات وشتائم على أرض الواقع وعلى صفحات الجرائد وعلى شاشات التلفزيون وعلى مختلف وسائل الاتصال الحديثة والسبب تافه أيضا مقارنة بما يجمع الشعبين من علاقات ومن روابط لا يمكن أن تؤثر فيها مباراة كرة قدم لأن ذهاب أحد المنتخبين إلى المونديال لا يعني نيل مجد الدنيا وريادة التاريخ والحصول على صفة «بلد متقدم» له من النقض في مجلس الأمن ومشاركة الدول الخمس الدائمة العضوية فيه صنع القرارات الدولية بل هي مباراة كرة لا أكثر ولا أقل لن تفيد الشعبين والبلدين في شيء إلا في إطار الرياضة وتسجيل الحضور في مناسبة كروية عالمية من يغيب عنها لن تطاله لعنات العالم وشهائد الذم والاستهجان إلا أن أشقاءنا في مصر والجزائر اعتبروها مباراة فاصلة في تاريخ الشعبين الهزيمة فيها ممنوعة بتاتا وقد تكون عارا ما بعده عار وخسارة وخراب ديار كما يقول المصريون عند أي مصيبة كبرى وقى الله البلدين منها. وما يزيد في حسرة كل متابع لما يسبق هذه المباراة من ملاسنات هو أن كل ذلك يزيد في تكريس ما قاله المتنبي عن العرب منذ ما يزيد عن ألف سنة وبقيت منذ ذلك التاريخ صالحة للاستعمال ومفادها «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم» لأن ما حدث بين الجزائر ومصر سابقة عربية لم تقع بين أمم عريقة في كرة القدم وتحضر المونديال للفوز به وليس لمجرد الحضور المشرّف وأكثر من ذلك لم تقع بين أمم دارت بينها حروب ضروس فألمانيا وأنقلترا يجمع بينهما تاريخ دموي وحربان عالميتان وقبلهما حروب عديدة ولم نر منهما مثل ما رأيناه من أشقائنا بل أن انقلترا افتكت من ألمانيا كأس عالمية بهدف مشكوك في صحته إلى الآن لكن لم يتجاوز الخلاف حدود الملاعب وقس على ذلك ما حصل بين ألمانيا وفرنسا وبين هذه الأخيرة وإيطاليا وبين ألمانيا وتركيا وبين الصين واليابان وحتى بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وإيران البلدين اللذين لا يزالان يدقان بكل عنف على طبول الحرب بينهما إلا أنهما حين تواجها في مونديال 98 لم يتبادلا السباب والشتائم على أعين العالم وانتهت المباراة بلا تأثيرات على علاقات البلدين. الأكيد أن مباراة مصر والجزائر لن تؤثر على العلاقات بين البدين لكننا لا نريدها أن تؤثر على العلاقات بين الشعبين وليضعها العقلاء منهما في إطارها كمباراة كرة قدم لا غير تدوم 90 دقيقة نفرح بعدها للمنتصر منهما ونتمنى له حظا سعيدا دون أن نقحم فيها السياسة والاقتصاد والكتابة وأن نعود إلى ما قدمته مصر للجزائر في ثورتها من دعم بطريقة فيها منّ وأذى أو أن يتهم كل المصريين بجزيرة كامب دايفيد.