[email protected] عجيب جدا أمر الكرة عندنا فلقد لعبت بعقولنا حتى صرنا لا نفرح ولا نحزن الا لأجلها ولا نسأم الا بسببها، فهذه الكرة كسرت جميع الحواجز واذابت كل الفروق حتى صرنا بفضلها قادرين ان نفهم كيف يجتمع خصوم الأمس وكيف يتفرق الأشقاء. لم تعد للهويات معنى وللألقاب فائدة أو جدوى ما دامت الكرة ملكة هذا الزمان توحد وتفرق وتصوغ مفاهيم جديدة للانتماء لذلك صار عاديا أن يلبس شبابنا ازياء فرق ايطالية وأن يسعدوا بذلك التوحد دونما حرج أو تردد فالكرة محت كل سطور التاريخ ومحت معها وصايا «أميلكار» واحتضار «حنبعل» باسم «ايطاليا» ومحت حتى اثار الملح التي لا تزال تغطي كامل «مطمورة روما» فالكرة تلملم، عندما نهتز لأجلها، كل الجروح وتسكت جميع الأنات. وللكرة اذا ما غضبت احكامها فقد تفرق بين أحبة الأمس فيتعالى السباب بين الجماهير وحتى الشعوب برغم كل المصائب والمحن والمصير المشترك التي وحدت بينها. هكذا أرادت لنا الكرة ان نكون بلا فرادة وبلا هوية وأن نحمل كلنا نفس الملامح وهكذا ايضا تمكنت الكرة أن تخلق صفوفا جديدة لا يجمعها شيء ففقدنا حينئذ نعمة الأحزان الانفرادية والغير منتظمة وصرنا نحزن بنفس العبارات وفي نفس الوقت ثم نعود لنفرح عندما تشاء لنا الكرة ذلك. لست بهذا الكلام اطالب برحيل الكرة عنا فلست جريئا الى هذا الحد ولكني أتمنى فقط أن نهدأ قليلا وان نلتفت الى أحوالنا قليلا فالحياة أرحب من ملاعب كرة القدم واعلى من مدارجها وفيها الجمال وفيها البهاء وفيها الشعر والفن والعلم والمسرح ايضا ولنا في كل ذلك نصيب اذا ما أردنا.