[email protected] علّمونا عندما كنّا في معاهد الحقوق أن هناك مهنا لا يلتزم أصحابها بالنتائج بل يلتزمون فقط ببذل ما يلزم من عناية وبما يستحقه الموضوع من مجهود، فالطبيب مثلا لا يلتزم بإشفاء المريض بل يلتزم فقط ببذل ما يلزم من جهد لإنقاذه وقد يشفى وقد تتعكّر حالته وقد يموت والطبيب لا يكون مسؤولا طالما أثبت أنه بذل ما في وسعه لإنقاذه. كذلك المحامي يلتزم بالمرافعة والدفاع عن منوبه والاستماتة في سبيل ذلك بغضّ النظر عن نتائج مجهوده، فقد يقضي في حقّ موكله بالبراءة وقد يقضي في حقه بالإعدام.. ولكني لم أتصوّر أن يضيف البعض يوما لقائمة الطبيب والمحامي لاعب كرة القدم، فقط أثبتت نتائجنا في كأس إفريقيا الحالية أن اللاعب التونسي لا يلتزم بتحقيق النتيجة فلا يهمّ إن سجّل هدفا ولا يهمّ إن ضيّع هدفا ولا يهمّ إن سجّل ضدّ مرماه ولا يهمّ إن انسحبنا أو انهزمنا أو تصدّرنا قائمة الخائبين، كلّ هذا ما عاد يهمّنا مادام لاعبونا قد ركضوا، فالمهمّ أنهم قد ركضوا وأن ثيابهم قد ابتلّت عرقا. ما عاد يحرّك لاعبنا حبّ الانتصار بل صارت تحرّكه فقط الرغبة في إرضائنا حتى نقول «لقد تعب المسكين» فحسبنا أن نرى قطرات الدم تنزف من شفاههم وحسبنا أن نراهم يركضون ويسقطون، لم نعد نقيس انتصاراتنا بأهدافنا وترشحاتنا وكؤوسنا بل صرنا نقيسها بمسافات الركض وكميات العرق وسوف يأتي علينا يوم نجهّز فيه أقدام اللاعبين بعدّاد يبيّن كم ركضوا وكم نزفوا وهذا يكفي لإخلاء مسؤوليتهم تجاهنا. على كل حال لست حزينا بسبب هذا الانسحاب المعقول فقد آن لنا اليوم أن نستريح قليلا وأن ترتاح الأعصاب من صخب الكرة وأن نعود الى مدارسنا وإلى مصانعنا وإلى إداراتنا وأن نلتفت الى شواغلنا قليلا وأن نهدأ فقد فقدنا منذ زمن نعمة الهدوء..