حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي يواصل «سي أحمد» بن صالح حديثه عن حرب بنزرت والظروف التي حفّت بها، وكيف عاشها بصفته عضوا في الحكومة (وزير التخطيط والمالية) ليجيب عن السؤال الذي وضعته أمامه: هل ان اقتراح بعض المسؤولين الخروج بالحكومة إبان الحرب، الى طرابلس ليبيا، يدخل في باب الصمود أم الهروب؟ فقال: «أنا فهمت انه صمود... بل هو كذلك... أراد البعض ان ننأى بالحكومة الى خارج التراب التونسي (بمثابة حكومة منفى) نظرا لاحتدام الموقف العسكري إبان حرب بنزرت.. فقد جاء هذا الاقتراح من البعض لأنه هناك من وصله خبر، ان الفرنسيين (الجيش) وصلوا الى باردو وطبعا هذا جزء من الحرب النفسية للضغط على الحكومة..». ولماذا لم يحصل ذلك، ولم يتم اجماع على الفكرة؟ عن هذا السؤال يواصل صاحب المذكّرات كشف هذه التفاصيل التي لا يعرفها العديدون منّا: «قلت لك، ان مثل تلك المعلومات كانت تدخل في نطاق الحرب النفسية... والفكرة التي اقترحها البعض، كانت من باب الصمود حيث قالوا: اذا لزم الأمر نواصل الصمود من الخارج، عبر الحكومة التي ننقلها الى طرابلس.. وشخصيا لم أفهم من هذا الرأي سوى ان أصحابه (من المسؤولين) يتمسّكون بالحكومة... فكل الذين أعرفهم كانوا صامدين... ولكن شخصيا، كان موقفي ان نصمد هنا، «ونشدّو صحيح».. ولكي أكون أمينا في نقل ما حصل من اقتراح، لم أفهمه ولا يمكن ان يكون هلعا أو خوفا..». سألت «سي أحمد» بن صالح عن بورقيبة وكيف كان موقف الرئيس فكشف ان «الرئيس بورقيبة أقام ندوات صحفية حضرت واحدة منها وكانت كما بيانات الحرب». ولكن هناك من يقول ان حرب بنزرت اندلعت لأسباب تهمّ الازمة بين بن يوسف وبورقيبة، على اعتبار ان بورقيبة أراد ان يبيّن لصالح بن يوسف، ان تونس ايضا تتحرّر بالكفاح المسلّح..؟ ابتسم صاحب المذكرات.. وصمت لبرهة ثم قال: «أنا عندي رأي آخر... وقراءة أخرى، بخصوص حرب بنزرت وأسباب اندلاعها بتلك القوّة... أتذكّر أننا (كتونس) شعرنا بنوع من العزلة حين بدأت التحضيرات لمؤتمر عدم الانحياز في بلغراد (العاصمة اليوغسلافية)(...) لم أربط الأمر ببنزرت في الأول، لكن تطوّر الأحداث فرض تلك القراءة عليّ... إذ ان المسؤولين عن منظمة عدم الانحياز قرروا جمع المؤتمر في بلغراد، عاصمة يوغسلافيا، كان الجمع يضمّ «تيتو» و«عبد الناصر» و«نهرو» (فهؤلاء هم مؤسسو حركة عدم الانحياز في باندونغ سنة 1955، والتي انطلقت تحت اسم: الحياد الايجابي) وقد تقرّر المؤتمر سنة 1961 وذلك لعقد المؤتمر التأسيسي لمنظمة عدم الانحياز.. شعرت ان هناك نوعا من البرود بين تونس وهذه المجموعة وفعلا ما لاحظناه ان تونس لم تكن ضمن قائمة الدول المدعوّة الى بلغراد وكنا نسمع ونقرأ في الجرائد قائمة البلدان المدعوّة.. وقد تبيّن آخر الأمر انه لم يقع دعوة تونس، فعليا، في حين ان الجزائر تمّت دعوتها كجبهة تحرير... وما فهمناه وقتها ان منظمي المؤتمر، وهذا الاتجاه (عدم الانحياز) كانوا يعتبرون ان تونس توجد على أراضيها قاعدة عسكرية بحرية في بنزرت... وعليها جيش أجنبي.. لذلك انتهز، حسب اعتقادي رئيس الجمهورية الفرصة وكانت العقبة هي بنزرت، فلنرفعها... وطبعا كانت تونس متضامنة مع مبدإ عدم الانحياز. فقد كان صالح بن يوسف، هو ممثل تونس في مؤتمر «باندونغ» سنة 1955، باعتباره الأمين العام للحزب الحرّ الدستوري... المهم هنا ان تونس انتصرت في بنزرت وتمّت فعلا دعوة تونس الي مؤتمر عدم الانحياز في يوغسلافيا... وبعد المؤتمر حلّ بتونس جمال عبد الناصر وأحمد بن بلاّ... وزارا بنزرت، احتفاء بالجلاء»...