ما ان أعلنت الحكومة اللبنانية الجديدة تبني البيان الوزاري الذي ضمن ل «حزب الله» الاحتفاظ بسلاحه لمواجهة أي عدوان صهيوني حتى تعالت الأصوات من اسرائيل والولاياتالمتحدة مهددة منددة، أصوات عكست تعامل الغرب واسرائيل مع صعود «حزب الله» الى الحكومة بمنطق الاقصاء حتى ذهب الأمر ببعض الجهات الصهيونية داخل الولاياتالمتحدة الى المطالبة بوضع لبنان على لائحة الدول الارهابية. ومثل هذا التعامل مع اندماج «حزب الله» بمواقفه وتصوراته في حكومة توافق وطني في لبنان يعيد الى الأذهان ما حصل مع حركة «حماس» الفلسطينية التي فازت بالانتخابات التشريعية عام 2006 فكانت النتيجة فرض حصار جائر على قطاع غزة وتجويع أهله واعتقال أكثر من نصف نواب الحركة في المجلس التشريعي الفلسطيني وأخيرا عدوان على غزة أتى على الأخضر واليابس ودمر آخر ما تبقى من مؤسسات حكومة «حماس». وهاهي اسرائيل تهدد اليوم بتدمير مؤسسات الدولة اللبنانية في أي مواجهة عسكرية قادمة، طالما أن هذه الدولة احتضنت «حزب الله» وارتضته شريكا كاملا لبقية مكوّنات المشهد السياسي اللبناني في الحكم، مع أنها لم تستثن - خلال عدوانها في صيف 2006 - البنية التحتية والأهداف المدنية في لبنان رغم زعمها انها تستهدف بالأساس مواطن قوة «حزب الله» ومخازن سلاحه ومنصات اطلاق الصواريخ. ويبدو أن اسرائيل فوجئت بهذه السرعة التي بها تم تبني البيان الوزاري للحكومة اللبنانية وهي التي كانت تعتقد أن هذه المسألة الشائكة التي تتضمن عدة نقاط خلافية أبرزها سلاح المقاومة والاستراتيجية الدفاعية للبنان من أي عدوان ستكون مادة لتأجيج الخلافات والفرقة وادخال لبنان في أزمة سياسية جديدة تحتاجها تل أبيب للضغط في اتجاه حشد تأييد دولي لنزع سلاح «حزب الله» ولاسترداد انفاسها على الجبهة الشمالية، وهي التي تعمل باستمرار منذ نهاية عدوان صيف 2006على التجسس على قدرات «حزب الله» وعلى اختلاق المشاكل عسى أن يؤدي ذلك الى تدخل أممي للضغط على الحزب لتطبيق القرارين 1559 و 1701 مع أن اسرائيل هي التي تنتهك باستمرار هذين القرارين. من جانبها بدأت الولاياتالمتحدة التي تضع «حزب الله» على لائحة المنظمات الارهابية تتعرض لضغوط اللوبي الصهيوني لتعميم صفة الارهاب على لبنان الدولة، ضغوط جاءت عشية زيارة الرئيس اللبناني ميشال سليمان الى واشنطن لمطالبتها بالوفاء بالتزاماتها تجاه الحكومة والجيش اللبنانيين الأمر الذي أثار امتعاض تلك الجهات التي تدفع نحو معاقبة الحكومة اللبنانية بسبب وجود «حزب الله» في صلبها، حيث أعلنها الرئيس السابق للشؤون القانونية في منظمة «إيباك» (التي تمثل اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة) دوغلاس بلومفيلد صراحة ان على واشنطن أن توقف مساعداتها للحكومة التي رضخت لرؤية «حزب الله» في تحرير الأراضي المحتلة من اسرائيل (مزارع شبعا وقرية الغجر) ومساعداتها للجيش اللبناني بزعم أنه يخضع لسيطرة «حزب الله» وأن المعدات التي ستسلمها الولاياتالمتحدة اليه سيستفيد منها «حزب الله» لمقاومة اسرائيل التي تمثل اليد التنفيذية لمشروع واشنطن في المنطقة. ولا شك أن هذه الحملة الصهيونية ستتواصل بشراسة داخل الولاياتالمتحدة لاجبار ادارة اوباما على اتخاذ اجراءات عقابية ضد لبنان أو تحريك قضية سلاح «حزب الله» وسلاح المنظمات الفلسطينية خارج المخيمات، وهي البوابة التي قد تقود مرة اخرى الى التدخل الأجنبي وتؤدي بلبنان الى حالة الفوضى التي يريدها له اعداؤه. والثابت أن تحركات الصهاينة على المستويين السياسي والعسكري في اسرائيل والحملة التي يقودها اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة تصب في اتجاه اضعاف لبنان وزعزعة وحدته وبث الفرقة بين اطياف الحكومة الجديدة والثابت ايضا ان لبنان متفطن لهذه المخططات الخبيثة ويفترض ان يكون قد أعد الآليات الكفيلة بصد هذه الهجمة والحفاظ على حالة التوافق التي تخدم مصلحة الدولة اللبنانية ومصالح اخرى اقليمية.