أي دور للسينما الأوروبية في تعزيز الانتاج السينمائي التونسي؟ سؤال يستمد مشروعيته من النجاح الذي ما فتئت تعرفه تظاهرة «أيام السينما الأوروبية» التي تنظم بتونس وتشمل مجموعة من الولايات بالجمهورية التونسية على غرار صفاقس وقابس وسوسة والمهدية والقيروان. وهو ما لم تشهده تظاهرات سينمائية وثقافية تونسية اخرى، هي الواقع أكبر حجم وميزانية ببلادنا. في البدء تجدر الاشارة الى ان هذا الدور المتحدث عنه للسينما الأوروبية في تعزيز الانتاج السينمائي التونسي له مجموعة من النقاط الايجابية، كما ان السلبيات موجودة كذلك. أما الايجابيات فتتمثل في كون السينما الأوروبية لها أسبقية تاريخية على نظيرتها التونسية كما ان لها (السينما الأوروبية) امكانات عادية وبشرية تسمح لها بتكوين حوار سينمائي بين الشمال والجنوب، يمكن بلدان الجنوب عموما وخاصة بلدان المغرب العربي من الاستفادة من الخبرات الأوروبية في مجال الفن السابع ... ومن جهة اخرى للدول الأوروبية مدارس سينما على مستوى عال من شأنها التقدم بمستوى السينمائيين التونسيين خاصة أن هناك العديد من الأسماء اللامعة في السينما المغاربية. تتلمذت على ايادي اساتذة أوروبيين بالمدارس السينمائية الأوروبية، ونذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر، «النوري بوزيد» و «شوقي الماجري» و «محمد الزرن» من تونس. و «نور الدين الخماري» من المغرب، و «الياس سالم» من الجزائر ... ورغم كل الايجابيات التي نلمسها في أعمال هذه المجموعة من السينمائيين التونسيين، فاننا أصبحنا بالمقابل نلمس ضغطا ثقافيا أوروبيا على مفهوم انتاج الأفلام رغم بعض الاستثناءات لدى السينمائيين التونسيين المذكورين سلفا. حيث لاحظنا في عديد الأعمال السينمائية العربية والمغاربية سيطرة الثقافة الاوروبية وهيمنتها أحيانا على الفكر والثقافة ووجهات النظر لدى السينمائيين العرب المتكوّنين في الغرب (أوروبا). وقد لا نجانب الصواب حين نقول أن هذا التأثير بدا واضحا في فيلم «الدواحة» للمخرجة السينمائية التونسية «رجاء العماري» التي ارتأت في فيلمها اختيار ممثلة أصولها مغاربية (حرزية حفصي) لتجسد دور البطولة. هذه النقطة المشار اليها سلفا وان كانت سلبية، فان لها ابعادا ايجابية أخرى، لكن أبرز السلبيات تتمثل في انه في اطار التعاون في الانتاج تشترط (الدول الأوروبية) في دعمها للأفلام المغاربية، ان تشغل معها ان صحت العبارة - اطارات أوروبية ليست لديها أو لا تكتسب ثقافة الاضاءة وثقافة الصورة، الخاصة بالمجتمع التونسي على وجه الخصوص، والمجتمعات المغاربية عموما - وهذا في حد ذاته من شأنه أن ينعكس سلبا على انتاج الفيلم او ما يرمز اليه الفليم، اذ من البديهي ان ثقافة الاضاءة وثقافة الصورة في البلدان المغاربية مختلفة عما هي عليه في البلدان الأوروبية لعدة اعتبارات منها المناخية ... ومن هذا المنطلق السينما المغاربية والسينما التونسية خاصة لهما روابط مع السينما الأوروبية لكن مثل هذه الشروط المتحدث عنها تؤثر حتما على هذه العلاقة. اذن الامكانيات المادية والفن يمكن لهما الالتقاء وتكوين بذرة سينمائية جيدة وجادة، لكن دون محاولة ترويج أشياء سلبية من الثقافة الأوروبية او ترويج مجموعة رؤى أوروبية للثقافة المغاربية، أغلبها سلبية. تبقى نقطة هامة ومهمة، وهي أن تأثير السينما الأوروبية يمكن له ان لا يشمل فقط السينما كفن وأن يصل الى الاستثمار في الانتاج وأن يساعد على حل مشكلة القاعات السينمائية ما دامت المكاسب مشتركة من ناحية، ومادامت الامكانات المادية للدول الأوروبية هامة، من ناحية اخرى خاصة في ظل الأزمة المتواصلة للقاعات السينمائية والاشكال المتواصل بدوره للانتاج وشركات الانتاج بالبلاد التونسية.