كل ذي عاهة جبّار... يكشف هذا المثل العربي عن عدم الاعتراف بالاعاقة في مجتمعاتنا الا في مستوى الفعل والإرادة. وكثيرون هم الذين تحدّوا الاعاقة الجسدية للتوجه نحو الابداع والفعل الايجابي سيما في البلدان التي توفرت بها أرضية اجتماعية وسياسية ملائمة وتونس نموذجا. وأمكن ل«الشروق» الالتقاء ببعض المعوّقين الذين تحدّوا الاعاقة وجعلوها منطلقا لحياة أفضل بكثير ممن تتوفر لديهم جميع الاعضاء. وذلك خلال المؤتمر الدولي الذي نظمته جمعية بسمة للنهوض بالمعوّقين والمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة «الأسيسيكو» تحت اشراف الرئيس زين العبادين بن علي وحول موضوع: «معا من أجل النهوض بتشغيل الفئات ذوي الاحتياجات الخاصة ورعايتها». حاجز نفسي وذكرت السيدة أماني الفاضل عبّاس معلمة تعاني من إعاقة عضوية بأنها تشتغل لأكثر من 10 سنوات في مجال تدريس الأطفال المعوّقين. وذكرت أن البداية كانت صعبة لأن الأطفال كانوا يعانون من مشاكل نفسية ومشاكل مع أسرهم ويواجهون صعوبات التعامل مع الآخرين لذلك تم اقحام برنامج لتمكين الطفل من الاعتماد على نفسه من خلال أنشطة لإبراز مواهبه لأن هذه الشريحة من الأطفال تحتاج الى ممارسة أنشطة تعيد لها الثقة في نفسها كالرسم والعزف. وتمكن الطفل بهذه المجهودات من المشاركة في مسابقات داخلية وخارجية. وأضافت ان الطفل المعوق قادر على استغلال قدراته لكن يحتاج لتشجيع ودعم لكسر الحاجز النفسي الناتج عن الاعاقة. وأشارت الى ان السودان مازالت تشكو من نقص في التشريعات التي تهم المعوقين وتطبيق الاتفاقيات الدولية في المجال. وقالت: «لذلك نحن نناضل من أجل هذا ونشيد في المقابل بالتجربة التونسية التي حققت تقدما هاما في مجال العناية بالفئات ذوي الاحتياجات الخاصة وتشغيلهم». وذكر الدكتور نواف كبارة رئيس الاقليم العربي في المنظمة الدولية للأشخاص ذوي الاعاقة وهو مواطن لبناني الاصل يستعمل كرسيا للمساعدة على المشي ان المعوّق في العالم العربي مازال يعاني من نظرة دونية وأنه إنسان غير عادي وذلك نتيجة ترسبات قديمة وبأنه غير قادر على القيام بعدة أعمال. وقال: «أنه لابد من العمل وتكاثف المجهود العربي لمحو هذه الترسبات وتغييرها». وبخصوص تونس أفاد أنه رغم عدم اطلاعه على الوضع بصفة شاملة لكن حسب ما بلغه من معطيات فإن ما تم التوصل اليه هو مشرّف جدا سيما وأن المعوق في تونس يرعاه أعلى هرم في السلطة حيث حرص الرئيس بن علي على العناية بهذه الفئة منذ توليه الحكم كما حرصت السيدة حرمه على النهوض بمكانتهم في المجتمع واستغلال قدراتهم. وأفادت السيدة رجاء يحيى السيد منسّقة للأطفال ذوي الاعاقة بوزارة الثقافة والشباب والرياضة بالسودان وأمينة شؤون المرأة والطفل باتحاد المكفوفين القومي السوداني ومسؤولة المرأة بالمنظمة العربية للمعوقين العرب أن أسرتها هي السبب الأول والأساسي في تمكينها من تحدّي فقدانها للبصر حيث ساعدتها على التعليم ومنحتها الثقة في نفسها، ولذلك تعتبر ان الأسرة هي أساس تجاوز الاعاقة ثم تأتي المؤسسة التربوية في مرحلة ثانية والمجتمع في مرتبة ثالثة. وأضافت أن أختها أيضا كفيفة وكان بإمكان الأسرة ان تنهار وتنزعج من ذلك لكن ما حدث هو العكس حيث تمكّنت أنا وأختي من مزاولة التعليم والاحراز على الشهائد العليا ولذلك أحاول أن أختصّ في الأطفال المعوقين لأساعدهم على تخطّي هذه الاعاقات كما أناضل من أجل النهوض بمكانة المرأة المعوقة. ليتم التعامل معها بمساواة مع الرّجل وختمت قائلة: «أريد أن أوجّه رسالة الى جمعية بسمة نظرا لأن رئيستها امرأة تؤمن بقدرات المرأة المعوقة وتساعدها على تحدّي الإعاقة ليس في تونس فحسب بل حتى على مستوى عربي ولذلك أتوجه بالشكر الخاص لهذه الجمعية والشكر الخاص جدّا للسيدة ليلى بن علي». أهداف ونقائص وحدّدت الأسيسيكو مجموعة من الأهداف والبرامج في مجال تربية الفئات ذات الاحتياجات الخاصة ومنها إكساب الفئات ذات الاحتياجات الخاصة القدرات والمهارات الضرورية لمواجهة الآفات الاجتماعية في الأوضاع الصعبة خاصة بمناطق الكوارث والنزاعات والحروب المنتشرة في عديد مناطق العالم الاسلامي وتعزيز جهود الدول الأعضاء واستراتيجياتها الوطنية التنموية لبناء مجتمعات متقدمة تقوم على أساس توفير الفرص التعليمية المتكافئة لجميع أبنائها وتحقيق مفهوم المواطنة. وانطلاقا من تجربة الأسيسيكو وجهودها في هذا المجال أمكن رصد عدد من العوائق والاشكاليات والمتمثلة في ضعف الشراكة والتنسيق بين المؤسسات والهيئات العاملة في هذا المجال سواء على مستوى وطني أو إقليمي أو دولي وغياب المعطيات الاحصائية الدقيقة عن أعداد المعوقين وأوضاعهم في أغلب الدول الأعضاء وتضارب المعايير في تحديد الاعاقات وتصنيفها، وتغييب الفئات ذات الاحتياجات الخاصة في كثير من الدول عن دوائر التخطيط والقرار بما ينعكس سلبا على فعالية الخطط المرسومة لفائدتهم واستقرار التعامل في كثير من الدول الأعضاء مع قضايا الفئات ذات الاحتياجات الخاصة من منظوري الصحة والرعاية وإهمال المنظور الحقيقي الى جانب هشاشة أوضاع هذه الفئات وتدهور أوضاعها في الدول الأعضاء التي عانت ومازالت تعاني أزمات سياسية ونزاعات مسلحة وافتقار الكثير من الدول الأعضاء وخاصة الافريقية منها الى الحدّ الأدنى من الخدمات الصحية التربوية وخدمات النقل ومسالك الولوج الى مختلف الفضاءات والمقرات وعدم تكييف مسالك التكوين المهني فيها مع احتياجات وظروف الفئات ذات الاحتياجات الخاصة. وتعرض السيد حاتم بن سالم وزير التربية والتكوين خلال ترأسه للجلسة الصباحية للمؤتمر الى ثراء التجربة التونسية في النهوض بهذه الشريحة معرجا على تجربة المدرسية المندمجة في هذا المجال. وثمن الرعاية الموصولة التي تحظى بها شريحة المعوقين من لدن الرئيس بن علي وحرمه.