احتضن فضاء المسرح البلدي بالعاصمة، ليلة أول أمس، عرضا مسرحيا راقصا، أثثته فرقة «إنانا» للمسرح الراقص من دولة سوريا الشقيقة. العرض عنوانه «صقر قريش»، أخرجه المخرج المسرحي المعروف «جهاد مفلح»، وأقل ما يقال عن هذا العرض المسرحي الراقص أنه ساحر، جمع بين التثقيف من جهة، والفرجة بطابعها الجمالي من جهة أخرى. وتجدر الاشارة الى أن هذا العرض انتظم في اطار الاحتفاء بالقيروان عاصمة للثقافة الاسلامية سنة 2009، وبمناسبة الأسبوع الثقافي السوري بتونس. الدولة الأموية التثقيف المتحدث عنه يستمد مشروعيته من البعد التاريخي والحضاري لهذا العرض، حيث تعرض لجزئيات دقيقة ولملامح عامة تخص الخلافة الأموية حيث تولى معاوية الأول بن أبي سفيان (662 680م) الخلافة في الدولة الأموية بعد أن أجمع المسلمون على خلافة معاوية واتخذ أول خليفة أموي، دمشق عاصمة للخلافة الاسلامية، وبذلك انتقلت الخلافة الى الفرع السفياني من بني أمية. عرض «صقر قريش» قدم من خلال الملابس والموسيقى، والحوار بعض الخلفاء الأمويين وإن كان ذلك باقتضاب شديد اقتضته الفكرة الرئيسية للعرض ومن هؤلاء الخلفاء الخليفة يزيد الأول وعبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك وآخر الخلفاء الأمويين في المرحلة الأولى كان الخليفة مروان الثاني بن محمد (744 750م) والذي واجه مؤامرة من العباسيين الذين تمكنوا من تكوين دولتهم في خراسان فواجه دسائس المفسدين والخارجين على أسس الدولة الاسلامية الى أن انتهى مروان مقتولا في دير بمصر بعد هروبه من الجنود العباسيين وبه انتهى عصر الخلافة الأموية في المشرق سنة 750م، هذا العصر الذي تواصل 90 سنة. «صقر قريش» وكما يحيل عنوان العرض المسرحي الراقص «صقر قريش»، فإنه يتمحور حول الخليفة الأموي «عبد الرحمان الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك»، الملقب ب«صقر قريش» فعرضت المسرحية الراقصة كيفية فراره من بطش العباسيين هو ومُولا له اسمه «بدر»، وفي آخر العرض تمّ تصوير كيفية تمكّن «صقر قريش» من بناء بيت الحكم بالأندلس وهو يجمع حوله مؤيدي الأمويين، فكوّن جيشا قويا استطاع من خلاله أن يقيم الدولة الأموية من جديد في الأندلس وللتذكير فإن عبد الرحمان الداخل «صقر قريش» حارب العباسيين وانتصر عليهم أيّما انتصار وأعاد أمجاد البيت الأموي، كما تجدر الاشارة الى أن صفة «صقر قريش»، أطلقها عليه أو لقبه بها أبو جعفر المنصور، الخليفة الثاني العباسي. «صقر قريش» اتخذ مدينة قرطبة عاصمة لدولته وجعلها على غرار دمشق.. منارة للعالم الاسلامي فكان التشابه في العمارة وخاصة المساجد.. سحر... «صقر قريش» نجح في تأسيس الدولة الأموية من جديد في الأندلس، و«صقر قريش» ليلة أول أمس تمكن من شدّ انتباه الجمهور الحاضر بأعداد غفيرة بفضاء المسرح البلدي بالعاصمة. عرض ساحر بما في الكلمة من معنى، سحر تجلى في الملابس المختلفة والمتنوعة والتي تحكي لوحدها حضارات وتراث بلاد الشام، وتجلى كذلك في اللوحات الراقصة، التي لا تخلو من تناسق في الأداء الجماعي ومن جمالية ازدادت سحرا في نهاية العرض لما طغى اللون الأبيض لون السلم والنقاء ولون الفرحة والصفاء. نهاية العرض لوحدها، والتحية الرائعة للفرقة المسرحية الراقصة، كانت درسا في الجمال، ودرسا في العروض المسرحية الراقصة، التي لا تحتمل التقشّف المادي لبعض الفرق الأخرى، والتي تعبّر بوضوح عن معدن فرقة إنانا التي لم يمر على تأسيسها سوى 10 سنوات إلا أن قيمتها تستمدّ من اعتمادها على خبراء محليين وأجانب في الرقص ومنهم الراقصة الروسية «ألبينا بيلوفا» زوجة مدير الفرقة، كما أن فرقة إنانا لا تهتم بالكثرة في الانتاج بقدر اهتمامها بالكيف والنوع.