ستذرف الدمع مع السهروردي ومحيي الدين بن عربي وستبكي على بغداد وهي تسقط ذبيحة تحت سيف هولاكو.. ستتقاذفك الاحاسيس وستكتشف جمالية الكوريغرافيا وأنت تشاهد باليه إنانا على ركح المسرح البلدي بالعاصمة. الرحلة الملحمية هذه المرة حملتنا الى حلب والقاهرة وبغداد.. الى لحظات الفتوة العربية والاسلامية وشذرات من سقوطها المدوّي وبإمكانك أن تُسقط الزمن الغابر على الزمن الحاضر لترى في المرآة الصور الحزينة نفسها. أفكار تسقط وممالك تنهار وعقل عربي يُلبس الصوفية بالكفر والالحاد ونفوس نيّرة تنتصر للجمال والابداع في كل مكان وزمان. شخصيا استعدت عبر عرض «الملكة خاتون» الذي احتضنه «تياترو» العاصمة مساء الخميس 2 سبتمبر بدايات هذه الفرقة الراقصة التي وُلدت من رحم التجربة الفنية لباليه كاراكلا، والسؤال الذي خرجت به مرة أخرى وسمعته يتكرر على الأفواه هنا وهناك هو التالي: لماذا مات المسرح الغنائي التونسي مع فرقة بلدية تونس و«بيرم التونسي» ولماذا يعجز مسرحنا عن بناء فرقة مثل إنانا تتكامل فيها كل الأبعاد الفنية... والى متى يظل المسرح حبيس أسماء بعينها ينحصر «إبداعها» المزعوم في اعادة صياغة التراث الموسيقي والغنائي بشكل مشوّه لا ينتمي لجنس ابداعي معين؟ أعود الى إنانا لأقول ان التاريخ كما قال ابن خلدون في ظاهره لا يزيد على الأخبار وفي باطنه نظر وتحقيق والتاريخ تقول هذه الفرقة الرائعة اضافة على ما تقدم هو ولاّد المشهد الجمالي المبدع النافذ الى أعماق الماضي والحاضر. مساء الخميس رأينا المسرح يمتلئ بوجوه تعرف هذه المجموعة السورية معرفة جيدة ووقفنا في نهاية العرض الذي انتهى كالعادة بأغنية العزّ والكرامة على حضور باهت للمبدعين التونسيين.. لم نر وجوها تدّعي امتلاك الفرجة الفنية والمسرحية واحتكار الفعل الجمالي، واعتقد ان «إنانا» لم تخسر شيئا بغيابهم وأن الخاسرين هم الغائبون المتكبّرون على الشعب التونسي والساحة الفنية والنقدية وعلى السلط المعنية بدعم الثقافة والابداع. ونختم بكلمة واحدة : شكرا لإنانا!