بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي لم يكن أحد من المعنيين بفن القصة والرواية في العالم يأخذ مأخذ جدّ التراجم إلى العربية التي تقوم بها مؤسسات ثقافية رسمية (في الصين والاتحاد السوفياتي سابقا) لأنها تقدم قصصا وروايات تتماشى مع التوجه الرسمي، وبالمقابل هناك أعمال كبيرة جرى التكتم عليها أو منعها، وغالبا ما تكون الأسباب واهية، وفي هذا المنع فرصة لأن يتحول أصحاب هذه الأعمال إلى شهداء، ويقوم الاعلام المعادي بالنفخ في أحجام هؤلاء، ولو أن أعمالهم نشرت في بلدانهم لمرت كما مرت أعمال أخرى، ولم تأخذ الأصداء الكبيرة التي أخذتها ليس أقلها الترجمة إلى عديد اللغات الحية، وربما يتبع ذلك هروب الكاتب إلى جنّة الغرب (الخ) ويمنح جوائز لن يكون جديرا بها في الحالات العادية، ولا أدري ما صحة ما ذكر أن خروتشوف طلب نسخة من رواية «دكتور زيفاغو» لبوريس باسترناك التي منح جائزة نوبل عليها، وبعد أن قرأها أبدى غضبه من منعها مؤكدا انها لو طبعت لمرت كما مرت أعمال أدبية أخرى. نعم، لا أدري ما صحة هذه الرواية، ولكن وقائعها تقول انها من الممكن أن تكون واقعا، فرغم كل شيء ورغم أهمية هذه الرواية إلا أنها ليست أهمّ من أعمال أخرى طبعت داخل الاتحاد السوفياتي ومنه انتشرت في كل أرجاء العالم، تحضرني هنا «داغستان بلدي» لرسول حمزاتوف و«الدون الهادئ» لشولوخوف التي نال عليها جائزة نوبل وأظنه السوفياتي الوحيد الذي نالها، وقد حفلت هذه الرواية بالانتقاد الحاد لكل ممارسات الجيش الأحمر، ولكن كل هذا ضمن سياق أحداث فظيعة رافقت الثورة البلشفية، ومازالت شخصية غريغوري ميليخوف حية في ذاكرة من قرأ الرواية الذي ظل يقاوم الثورة البلشفية حتى الرمق الأخير. وفي بلداننا العربية (يتمنى) كثير من الكتّاب أن تمنع أعمالهم سواء في بلدانهم أو بلدان عربية أخرى علهم يحصلون على انتشار لم يحصلوا عليه لو أن أعمالهم وزعت بشكل عادي وقدمت للقارئ بهدوء دون ضجيج. ولو أننا تابعنا الأعمال الأدبية التي قيل انها منعت هنا أو هناك لما وجدنا فيها السبب الموجب لهذا المنع، وكأن المؤلف العربي يتوسل الرقباء: امنعوا كتابي أرجوكم حتى أشتهر! قبل سنوات ثارت ضجة في لبنان على قيام الأمن بمصادرة رواية لكاتبة لبنانية، ولنكن أوضح ونسمي الأشياء بأسمائها، وهي الروائية ليلى بعلبكي والرواية الممنوعة لها «سفينة حنان إلى القمر»، ولكن بعد كل الذي حصل ارتفع توزيع الرواية، إذ أن المنع غير موجود في لبنان وهو مركز الكتاب العربي مهما كان بلد صاحبه أو توجهه السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. ورغم ان ليلى بعلبكي كانت كاتبة موهوبة دون شك شأنها شأن غادة السمان القادمة من دمشق ببهائها وجرأتها ولكن بهدوئها أيضا، وكان في رأسها مشروع ابداعي عملت من أجل إثرائه، وعلى العكس منها انسحبت ليلىِ بعلبكي مكتفية بحياتها الخاصة وما سبق أن قدمته، ولعل ما تكشّف لاحقا من أن ما جرى لسفينة حنان إلى القمر كان مدبرا من زوج أخت الكاتبة الذي كان ضابطا في الأمن. وهنا أذكر أن شاعرا مصريا تحدث عن ديوان له تمّ منعه بعد مطالبة الأزهر بذلك وقد لاكت الصحف هذا الخبر، وظهر الشاعر بمظهر الشهيد الذي أحلّ غلاة رجال الدين سفك دمه. وتشاء الصدف أن أسافر إلى القاهرة فأجد نسخ الديوان في الأكشاك وبعض المكتبات التي مررت بها، ولم يمسّه أحد. وهناك أمثلة أخرى عن كتّاب منعت أعمالهم فعلا، ولكنهم سكتوا ولم يثيروا الموضوع اعتقادا منهم بأن ما تمّ وفقا لمزاج وثقافة رقيب معين في البلدان التي فيها رقابة وأن رقيبا آخر قد يكون رأيه مخالفا، ثم ان من يبحث عن كتاب معين سيجده حتما. ولديّ أمثلة كثيرة، ومن حسن الحظ ان هذه المشكلة لا وجود لها في تونس حيث نكتب وننشر، فيها أو خارجها. هذا التقديم الذي أسهبت فيه كان دافعي إليه قراءة كتاب «نهر سيشوان» قصص من الصين الذي ترجمته الكاتبة المغربية الزهرة رميح عن الفرنسية ونشر في تونس أخيرا، وسأعود إليه في قراءة لاحقة.