مرة أخرى وبعد سبع سنوات يرفض النيجيري تشينوا تشيبي الذي يعد من أبرز الشخصيات الأدبية في افريقيا جائزة تكريمية من حكومة بلاده نيجيريا أكبر دولة افريقية من حيث عدد السكان وذلك احتجاجا على الوضع السائد فيها في المرة الأولى سنة 2004 زمن حكم الرئيس النيجيري السابق أولوسيجون أوباسانجو الذي حول نيجيريا حسب تعبير تشيبي إلى إقطاعية مفلسة تعمها الفوضى. ولوقوفه علىحقيقة أن الوضع لم يتغير فيها ليقبل بالجائزة من الرئيس الحالي غودلاك جوناثان في نهاية الأسبوع الماضي وذلك لعدم معالجة المشاكل السياسية التي لفت إليها النظر في كتبه ورواياته وتصريحاته. ويعد تشينوا تشيبي - الذي يشكل والأديب الكبير الحاصل على نوبل للآداب وول سيونكا ظاهرة متفردة في الأدب النيجيري- من أبرز الشخصيات الأدبية في أفريقيا رغم انه يعيش في الولاياتالمتحدةالأمريكية ويكتب في رواياته ودراساته عن مرحلة القلق والعنف التي تصاحب المجتمعات الأفريقية وهي تعاني الانتقال إلى نمط جديد عليها من الحياة أي من المجتمع التقليدي إلى الحداثي ومن بين رواياته وأشهرها رواية عالم المواجهة الأسطوري «أشياء تتداعى « وهي واحدة من أكثر الروايات قراءة في الأدب الأفريقي ورواية « ومضى عهد الراحة» وهي استكمال للرواية الأولى إذ تكشف فساد المثقفين المستعمرين داخل نظام متأرجح بين التحديث القسري والقيم التقليدية الراسخة و العلاقات الداخلية التي تتحكم في العالم الثالث. ويعتبر رفض تشيبي لأكبر جائزة في بلده صفعة في وجه الرئيس غودلاك جوناثان وتتمة لما يطرحه فكره وتأكيد واضح على اعتقاد راسخ لدى هذا الأديب بان الكاتب يجب أنْ يرى نفسه جزءاً من هدف أسمى يتمثل في بناء مجتمع أفضل وبالنسبة له هناك علاقة عضوية بين الكتابة بوصفها وسيلة تعليمية وأداة لتغيير الراهن الاجتماعي. وقد ظهر هذا واضحا حين كتب ما معناه ان لا عذر للكاتب من مهمة إعادة خلق الأجيال وإعادة الصياغة الاجتماعية. وقد تبين لهذا الكاتب العاجز عن الحركة والمناضل والمصلح المتابع لأمور السياسة في بلده - رغم بعده عنها - انه لا يجد نفسه في ما حدد لكتاباته من أهداف ولا يجد الصدى المأمول من كتاباته ونضاله من اجل الشعوب الإفريقية والشعب النيجيري وخاصة لدى مسؤوليها لذا لا يعتبر نفسه معنيا بالجوائز فيها ومن هنا جاء إصراره على أنها لا تضيف لنضاله الفكري شيئا وإنما قد تسيء لتاريخه ولاسمه الذي لا يجب أن يستعمله السياسيون لتلميع صورهم. موقف مشرف يذكر بأسماء ثلاثة رفضت هي الأخرى جائزة نوبل و-ما أدراك -لأسباب مختلفة أنبلها كان لجان بول سارتر الذي رفضها سنة 1964 رفضا منسجما تماما مع أفكاره الوجودية التي دونها في كل إبداعاته والتي ناضل من اجلها ماديا ومعنويا. الكاتب الثاني الذي رفض جائزة في أهمية نوبل هو الايرلندي الساخر جورج برنارد شو سنة 1925 والثالث هو الشاعر والروائي الروسي بوريس باسترناك صاحب رواية «دكتور جيفاغو» وان كان هذا الأخير رفض تسلمها بسبب ضغط السلطات السوفياتية عليه. ومن المؤسف ان لا توجد أسماء لأدباء عرب رفضوا جوائز من رؤساء عرب ( لان الأدباء الغربيين فيهم من رفض جائزة لمعمر القذافي مثلا الاسباني خوان غويتسولو ) على انه يمكن ان نذكر بان الناقد المصري الدكتور جابر عصفور مثلا قبل جائزة من الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي ولكنه أرجعها له في آخر أيام حكمه بعد حملة تشويه وانتقادات لاذعة .. و يمكن ان نذكر بان الأديب يوسف إدريس قبل جائزة من الرئيس العراقي السابق صدام حسين وارجعها له في آخر أيام حكمه . ولأنه لأغلب الرؤساء العرب الذين خلعوا والذين سيخلعون جوائز أدبية وتقديرية كانوا يصطاد ون بها المثقفين ويخطبون ودهم ليظهروا بمظهر العادلين والمحترمين للنخب المحلية والعربية والمقدرين للفكر ولأهله وسلموها لمن اختاروهم ولان جوائزهم تحولت اليوم من مصدر للفخر والتباهي إلى وصمة عار يسعى الحاصلون عليها إلى التخلص منها بأية طريقة ولأنه لا يمكن لمن تحصل عليها ان يرجع قيمتها المادية ( جابر عصفور ويوسف إدريس مثلا) فمن الأفضل أن يفكر الأدباء مليا عند قبول هذه الجوائز حتى لا يعيدوها معنويا بعد ان يكونوا قد تصرفوا فيها ماديا ولهم في ما أقدم عليه الأديب النيجيري تشينوا تشيبي قدوة حسنة ليرتدعوا ويتقوا الله في الشعب فقبول الجائزة من الرئيس يعني بالضرورة الرضى عن حكمه.