لا أدري كيف تذكرت غريغوري ميليخوف الشخصية المحورية في رواية «الرون يجري هادئا»... للروائي السوفياتي العظيم شولوخوف التي حاز بها على جائزة نوبل للآداب كأول أديب سوفياتي شيوعي ينال هذه الجائزة المسيئة جدا. لقد قاوم غريغوري ميليخوف الثورة البلشيفية التي تجتاح روسيا ظنا منه انه قادر على اجهاضها. وأخذت المواقع التي كان له نفوذ عليها تصغر وتتقلص حتى وجد نفسه أقرب الى قاطع طريق معزول ينتظر نهايته. أليس القذافي هكذا؟ والغريب ان ميليخوف كان ينعت الثوار البلاشفة بأقسى النعوت، وأسأل ثانية: أليس القذافي هكذا؟ تأملوا قاموس بذاءاته التي يرسلها في خطبه اليائسة؟ وأسأل ثالثة: ألم يصبح القذافي مطاردا متخبئا وبدلا من أوصافه لثوار الشعب الليبي بأقذر الأوصاف ومنها «الجرذان» اذا به نفسه يتحول الى جرذ يلوذ بالحفر ويتخفى من مكان الى آخر، يفعل هذا ومازال الوهم يركبه ويظن أنه قادر على ارجاع عجلة التاريخ للوراء، أو أن ادعاءه الواهم بأنه لا يحكم، واذا كان لا يحكم فمن فعل كل هذه المصائب بالشعب الليبي، وبأي صفة يرتكب جرائمه منذ أن تسلّل للحكم عام 1969؟ ومن أطلق يد ولده المسمى سيف الاسلام رغم عدم حاجة المسلمين لهكذا «سيف»، أقول من أطلق يد هذا القاتل الصغير ذي المطلة الكريهة خاصة بعد أن أطلق لحيته فصار رأسه أشبه برأس أفعى غادرة؟ من أعطاه حرية أن يقول ما يقوله، ويصرّح بما يصرّح به وبأي صفة؟ ومن أي موقع؟ وهل يكفي ان يكون ابنا لملك ملوك افريقيا كما أوهموه بعد أن استلموا منه مليارات الشعب الليبي المغلوب على أمره؟ ان مجانين الحكم هؤلاء من طراز القذافي ومن شابهه يمكن ان يفعلوا أي شيء، وأن يقترفوا كل «الكوارث» على حد تعبير الرجل الوقور المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي. إمّا أنا أو فليكن بعدي الطوفان، أليس هذا شعاره منذ اندلاع ثورة الشعب الليبي الذي ملّ هذه المسرحية البائخة، والصراعات الفجّة من الخيمة الى حليب النوق حيث كان يحرج من يستضيفونه بنصب خيمته في حدائق الفنادق وقصور الضيافة وبجوارها تربط ناقته التي لا يشرب الا من حليبها؟ مسرحية بائخة كما وصفتها قارب فصلها الاخير على الانتهاء وصار «ملك الملوك» مطاردا متخفيا لا يعرف متى يتم اصطياده رغم ان ذلك قريب كما يشير التطور المتسارع للأحداث. لم ألتق شخصيا بالقذافي الا مرة واحدة وفي سرت باحدى الندوات حيث دعينا الى لقاء «الأخ القائد» كما يُحبُّ ان يلقب، وأخذونا الى خيمة منصوبة، ولكن ما لفت نظري انها خيمة من البلاستيك الصيني بحيث يتلاعب فيها الهواء فدهشت من هذا لأن الخيمة ليست هكذا بل هي منسوجة من الصوف والستر والوبر وقادرة على حماية من فيها حتى من المطر الشديد وعواصف الصحارى. ثم جاء وجلس، وأكاد أجزم انه لم يتطلع الى وجوه الجالسين بل كان يكلم سقف الخيمة البلاستيكية، ولا أدري عمّا ذا تكلم قبل ان ينصرف. ذهبت لذلك اللقاء يدفعني فضول الكاتب الذي يعينه توثيق ما يمرّ به، وما يعيشه الوطن العربي المبتلى بهكذا زعماء. لو أن القذافي احترم نفسه، وقرأ بعمق دلالة المظاهرات التي قامت ضده، وانها ما قامت الا لتتواصل وتصل الى أهدافها وعلى رأسها اخراجه من الحكم مع ابنائه ولجانه وكتائبه وكتابه الأخضر. لكنه «كابر» بغباء وعمى فتسبب في قتل الآلاف وتهديم المدن، ومازال يوزع تسجيلات صوته ظنا منه ان هناك من يسمعه وينتصر له. وهكذا التقى مصير القذافي بمصير غريغوري ميليخوف، كلاهما مطارد وخارج عن القانون وفوق هذا القذافي مطلوب من محكمة الجنايات الدولية كمجرم حرب.