مرّت على وفاة الأديب كامل الكيلاني خمسون سنة فقد ولد بالقاهرة سنة 1897 وتوفي بعد سنتين من العطاء الأدبي سنة 1959. واشتهر كامل الكيلاني بأعماله الموجّهة للأطفال واليافعين،وقيل ان المكتبة التي تركها تضم 250 قصّة. وينتمي كامل الكيلاني الى جيل المؤسسين لأدب الطفل بصفة مستقلّة عن أدب الكبار. ولقّب عن جدارة بلقب رائد أدب الطفل. ولو توجّهت بالسؤال الى مجموعة من التلاميذ من التعليم الابتدائي او الاعدادي بسؤال عن مؤلف «تاجر البندقية» وهم يحبّذون عادة أن تقدّم لهم اجابات ثلاث على منوال البرامج الترفيهية فتقول لهم: هل هو المسرحي الانقليزي شكسبير أم الكاتب التونسي علي الدوعاجي أم الكاتب المصري كامل الكيلاني فتأكّد أنهم سيجيبون أنه كامل الكيلاني. لقد عرفت هذه المسرحية لشكسبير واشتهرت بفضل هذا الاديب، لقد فتح للطفل العربي نوافذ عديدة كم نحن بحاجة إليها على الآداب العالمية: الأدب الانقليزي والأدب الفرنسي والأدب الهندي، كما فتح نوافذ على التراث العربي، فقد اعتمد في كتاباته على الترجمة والتراث ليثقف ويعلّم ويسلي قرّاءه الصغار والكبار. وكامل الكيلاني لا يخفي مصادر قصصه ولا ينسبها الى نفسه بل يشير بكامل الوضوح الى المصدر الاول قائلا: «أيها القارئ الصغير، هذه هي القصّة الثالثة من قصص شكسبير التي وعدتك باقتباسها وتقديمها إليك...». وتعامل كامل الكيلاني مع التراث العربي الاسلامي وقدّم لقرائه زخما من القصص العربية والنوادر وقدّم له حكايات عديدة من ألف ليلة وليلة وحتى القصص التي تبدو عصيّة على القارئ الصغير مثل حي بن يقظان لابن طفيل كتبها له وقدّمها بأسلوب جذّاب جميل لا يمكن ان يضاهى فهو كما يقال من السهل الممتنع. لقد اقتحم كامل الكيلاني عوالم الطفل واليافع وأدرك بوعي ما يحتاجه الطفل واليافع فكريا ووجدانيا وأخلاقيا وحلّق به في عوالم الخيال وقدّم له غذاء هو في أشدّ الحاجة إليه. أما المعايير التي اعتمدها في كتبه اقتباسا واستلهاما وتأليفا فهو اختيار الافضل والأجمل والأروع. ولأن كامل الكيلاني يخاطب الطفل واليافع ولأنه يعتبر نفسه معلّما ومربيا فقد كان حريصا كل الحرص على تقديم عبر أخلاقية لقارئه الصغير. وعلى سبيل المثال وضمن سلسلة جحا التي تتضمّن العديد من نوادر جحا هذه الشخصية القصصية التي بدأ يلفّها النسيان لأننا تجاهلناها وتجاهلنا العديد من الشخصيات المشابهة لها، دعا الكاتب الى ضرورة نشر التعليم إذ يقول جحا للسلطان الذي طلب منه أن يعلّم حمارا رأى فيه السلطان نباهة ووعد جحا بجائزة سنيّة: «أشير عليك بأن تحرص على تعليم قومك» ويجيبه سلطان الزمان: «سأعمل بنصحك وسأحرص على أن يكون الناس جميعا متعلّمين، فإن العلم نور مبين». وبالمناسبة هذه يمكن الحديث عن اهتمام كامل الكيلاني بالشكل عموما، فقصصه قد ازدانت بصور جميلة، وهي مشكولة لأن الطفل واليافع في حاجة ماسّة الى من يأخذ بيده، وبعض القصص كانت مشفوعة بأسئلة مساعدة، كما قد يعمد أحيانا الى تقديم شروح للألفاظ الصعبة ويضع ذلك بين قوسين. أما الدرس الذي يمكن أن نستفيد منه نحن الكبار من هذا الأديب الفذ فهو ضرورة أن ننزّل كتاب المطالعة المنزلة التي يستحقها، ولا نعني بالضرورة الكتاب الورقي فحسب، بل الكتاب الورقي والرقمي الذي بدأ يزاحم الكتاب الورقي، المهم أن نغرس في الأطفال واليافعين عادة المطالعة، وأن نوفّر لهم الكتاب كما نوفّر لهم الغذاء وأن نرغّبهم بشتى الوسائل في المطالعة وفي الكتاب.