من الطرائف التي تحفل بها كتب الأدب العربي ما رُوي عن أحد الخلفاء وكان شاعرا أنه قرّر الإعراض عن قول الشعر في مستقبل حياته، وتأكيدا لذلك نذر على نفسه أنه لو قال بيت شعر فإنه يُلزم نفسه عتق رقبة، وصادف أن حجّ هذا الخليفة، وبينما كان يطوف بالبيت الحرام، إذ أبصر بشاب يحادث شابة جميلة، فأنكر عليه ذلك وقال له: اتّق الله يا هذا، أفي مثل هذا المكان المقدّس؟؟ فقال الشاب: والله ماذاك لريبة ولا لخنى أسعى إليه، ولكن هذه الفتاة ابنة عمي وأعزّ الناس عليّ وقد رغبت في الزواج منها لأن قلبي متعلق بها، غير أن أباها رفض مطلبي لفقري وفاقتي واشترط عليّ مائة ناقة ومائة أوقية من الذهب ولكنني غير قادر على ذلك فأنا أكتفي بمحادثتها ومؤانستها والنظر إليها وهذا نصيبي «حبّ عفيف بلا أمل». ولمّا سمع الخليفة مقالة الشاب رقّ له قلبه وتعاطف معه، وقرّر أن يحقق له أمنيته في الزواج منها فطلب إحضار أبيها ودفع له ما اشترطه على الشاب ابن أخيه ولم يبرح مكانه حتى عقد له عليها ورجع الخليفة إلى بيته فرحا مغتبطا مترنما ببيت من الشعر فسمعته إحدى جواريه فقالت له: أنسيتَ يامولاي نذرك؟؟ أم تُراك هويتَ وعشقت؟ فأنشد يقول: تقولُ وليدتي لمّا رأتني طربتُ وكنتُ قد أسليتُ حينا أراكَ اليوم قد أخلفت عهدا وأورثك الهوى داء دفينا بحقّك هل سمعتَ لها حديثا فشاقك أو رأيت لها جبينا فقلتُ شكا إليّ أخ محب كمثل زماننا إذ تعلمينَا وذُو الشجو القديم وإن تعزّى مُحبّ حينَ يلْقى العاشقينا ثم إن الخليفة عد أبيات الشعر فوجدها خمسا أعتق خمس رقاب وقال عن هذه الأبيات (للّه درُّك من خمسة أعتقت خمسة وجمعت بين اثنين في الحلال) والمغزى من هذه الطرفة أن ما قام به هذا الخليفة يدخل في معنى (الأرْيحيّة) التي يشعرُ فيها الإنسان بالسعادة عندما يدخل السعادة على الآخرين.