لم تنتظر تونس طويلا، وهي صاحبة المبادرة، للشروع في تنفيذ القرار الأممي الأخير باعتماد 2010 سنة دولية للشباب، إذ تمّ مباشرة وإثر مصادقة الجمعية العامة للأمم المتّحدة على المقترح الّذي تقدّم به الرئيس زين العابدين بن علي بدأ التنسيق مع هياكل وجهات عديدة لعقد أوّل ندوة دولية ستبحث محور الشباب والمستقبل من حيث تحديات الواقع وتعزيز القدرات وآليات المشاركة. هو موعد هام ستعيشه تونس في الفترة من 14 إلى 16 جانفي الجاري بمشاركة منظمات مغاربية وعربية وإسلامية ودولية تعنى بالشباب وحضور خبراء من منظمة الأمم المتّحدة وأجهزتها المتخصّصة وخبراء وباحثون مختصّون ومنظمات شبابيّة وإقليميّة ودوليّة. ويعدّ تنظيم هذه الندوة «الشبابية الكبرى» في تونس في هذه الظرفية بالذات تأكيدا لمصداقية ومشروعية الإرادة التونسية والّتي لا ترغب في أن تكون فقط في دائرة المبادرة بل هي مهتّمة بحسن تنفيذ روح السنة الدولية للشباب وبالسرعة المطلوبة، ومن المؤكّد أنّ هذه الندوة الّتي سيرعاها الرئيس بن علي وسيرتّب شؤونها الحكومة التونسية والأمانة العامة لاتحاد المغرب والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة والمنظمة العربية للثقافة والعلوم ستنتهي لوضع تصورات مهمّة جدّا حول ما يجب فعله على المستوى الدولي لتنفيذ القرار الأممي كأفضل ما يكون. ندوة تونس ستكون «بروفة» أوليّة مهمّة للندوة الأمميّة المنتظر تنظيمها هذه السنة في إطار السنة الدولية للشباب وهي الندوة الّتي من المبرمج لها أن تُصدر «ميثاقا شبابيا» يُصادق عليه كلّ شباب العالم دون استثناء، «ميثاق» يكون قاعدة انطلاق عملية لعلاقات حضارية بين هذا الشباب لخدمة أهداف التنمية البشرية وإحلال قيم السلم وروح التضامن والتآزر والتعاون مكان الصدامات والعنف وصراع الأديان والحضارات والثقافات الّذي ما يزال عالمنا اليوم يُعاني من ويلاته الشيء الكثير. وبالنظر إلى المحاور الّتي ستُعالجُها «ندوة تونس» والّتي ستتركّز حول ثلاثية بالغة الأهميّة (تحديات الواقع / تعزيز القدرات / آليات المشاركة) فإنّ المجموعة الدولية ستكون أمام فرصة مهمّة لبدء رصد توجهاتها لإنجاح وتفعيل القرار الأممي والوصول به إلى أهدافه ومراميه السامية في دفع فرص الشباب للمساهمة في صنع الحاضر والمستقبل وتحقيق تكافؤ الفرص بين الشباب عامّة وتمكين شباب العالم كلّه من مواكبة مستجدات المعرفة في شتّى المجالات على طريق التأسيس لعدالة حقيقيّة في العلاقات الدولية ولحوار حقيقي بين الشعوب والثقافات وتحالف فعلي بين الحضارات. وبرؤية برنامج «ندوة تونس» فإنّ المشاركين فيها سيبحثون على وجه الخصوص القضايا المصيريّة للشباب مثل الحق في التعليم والعمل وبناء قدرات الجيل الحاضر والمستقبل على أساس ترسيخ قيم التسامح والتنوير وإيلاء الرعاية اللازمة للمبدعين منهم ووسائل العمل على وقف استنزاف الأدمغة وهجرة الكفاءات وعلى حماية الشباب من المخدرات وتحصينهم من آفة البطالة وانعكاساتها السلبيّة على شخصياتهم وسلوكاتهم ومسارات حياتهم وترسيخ الوعي بأنّ التعليم والتكوين والتشغيل والتثقيف والإعلام والصحّة والرياضة والترفيه هي المداخل الرئيسيّة لتحصين الشباب ضد ما يتعرّضُ له من مخاطر البطالة والأميّة والتهميش والإقصاء والاستلاب الثقافي والتمركز العرقي والمركزية الحضارية. هكذا، وعبر احتضانها لهذه الندوة، اختارت تونس أن تُقرن كعادتها القول (المبادرة) بالفعل والتحرّك الميداني (الندوة)، وهي من الأسس المركزية الّتي تعمل بلادنا على التقيّد بها التزاما منها بتعهّداتها ومبادراتها الّتي أصبحت ومنذ سنوات تحظى بالإجماع والموافقة الأمميّة الواسعة وتلقى القبول من صناع القرار على المستوى الدولي، وندوة 14 16 جانفي الجاري ترجمة واضحة لتلك التوجهات التونسية الحكيمة والرائدة في نطاق تكريس الخيارات المركزية لعالم اليوم الباحثة عن رصد حقيقي وموضوعي للواقع الّذي تحياه الفئة الشبابيّة واستشراف ممكن لإمكانيات تنشيط هذا الشباب ودفعه في المستقبل للقيام بأدواره المنتظرة في إيجاد علاقات دولية أكثر عدالة وأكثر انسجاما وأكثر تعاونا وتضامنا. إنّها فضاء جديد يعكس على أفضل وجه عمق السياسة المتّبعة في تونس بقيادة الرئيس زين العابدين بن علي من أجل مزيد إيلاء الملف الشبابي أهميته ومنزلته ومكانته المحوريّة لتأمين المستقبل الأفضل للبشرية والمساعدة على توفير المجالات والفرص الأفضل لتخليص هذا المستقبل المأمول من كلّ المظاهر السلبيّة والّتي من أبرزها العنف والصدام والكراهية والميز على أساس الدين والجنس واللون والثقافة والمعتقد وانعدام العدالة في الشغل والتعليم والصحة وعدم التوازي في الاستفادة من تقنيات المعرفة والوسائل التكنولوجية الحديثة.