كشفت الأبحاث القضائية من خلال ملفات أخطر قضايا السرقات المالية الضخمة مؤخرا عبر أدوات التحويل الالكتروني واختراق النظم البنكية وبطاقات السحب، عن ارتباط هذه الجرائم بجرائم الترويج الاباحي الجنسي عبر تسجيلات الفيديو الرقمية، التي تديرها عصابة تونسية، وعن سوق عالمية لبيع «الشيفرات» البنكية. إعداد: منجي الخضراوي أحد قضاة التحقيق بمحكمة تونس الابتدائية أحال مؤخرا خمسة أشخاص بينهم فتاتان في الخامسة والعشرين من العمر، وتمت الإحالة من أجل السرقة والتحيّل واستعمال أداة تحويل الكترووني للأموال دون إذن صاحبها وتكوين عصابة ووفاق والمشاركة في ذلك بقصد ارتكاب اعتداءات على الأملاك والنفاذ بصفة غير شرعية بجزء نظام البرمجيات والبيانات المعلوماتية وبالتعامل مع مقيم وغير مقيم دون ترخيص من البنك المركزي التونسي والمشاركة في ذلك. خمس سنوات من القرصنة افتضاح أمر القضية تم بعد سنوات من بداية عمليات النفاذ الالكتروني والاستيلاء على أموال طائلة كان ينفذها المتهم الأول وهو نابغة في الانترنات. وقد اشتبه المحققون في أمره بسبب تردده المستمر بشكل دوري على مركز بريد مطار تونسقرطاج الدولي وسحب مبالغ مالية بحوالات دولية (وسترن يونيون) مرسلة من قبل أشخاص من كافة أنحاء العالم، ويكون المتهم في مرات عديدة مرفوقا بصديقين له يقومان بعمليات السحب بعد ان منعت الشركة المسؤولة عن الحوالات الدولية المتهم الاول التونسي من اتمام عمليات مالية بسبب الاشتباه في نشاطاته المكثفة جدّا عبر الشبكات العالمية. «ميرك» صديق القراصنة توصّل المحققون التابعون لإحدى الفرق الأمنية المتخصصة في الجرائم المالية الى ان المتهم الاول يتسوّغ محلاّ بالحمامات جهّزه بشبكة الانترنات ذات التدفق العالي، وتمكن من خلال استعمال منظومة غرف «ميرك» (Mirc) على الانخراط في شبكة دولية لعناصر من أكثر من عشرين دولة أحدثت سوقا لبيع «شيفرات» البطاقات البنكية الدولية. وتمكن المتهم من الحصول على هويات رقمية وأرقام بطاقات بنكية مسروقة من مواقع تجارية الكترونية وكان يتحصل على تلك المعطيات الرقمية مقابل مبالغ مالية بالدولار الأمريكي في حسابات افتراضية تسمى «واب ماني» (webMoney) والذي كان يشحنها عن طريق تحويلات الكترونية مالية من حسابات افتراضية أخرى تابعة للحرفاء الذين يبيعهم بيانات بطاقات بنكية وهويات رقمية مسروقة، وقد توسعت شبكة علاقاته بقراصنة من كافة انحاء العالم. وتم فتح وتوسيع سوق افتراضية للغرض واصبح المتهم يبيع تلك الهويات سواء بتلقي أموال في حسابه الافتراضي او عبر حوالات بريدية دولية يتم ارسالها من الخارج ويتسلمها في العديد من مكاتب البريد في الحمامات وتونس وخاصة في مكتب البريد الموجود في مطار قرطاج والمفتوح على مدار الساعة وخلال الاربع وعشرين ساعة دون انقطاع. القائمة السوداء حسب التحقيقات فإن الشركات العالمية المالكة لأنظمة الحوالات البريدية العالمية كانت تفرض نظام حيطة واستشعار بخصوص مصادر تلك الأموال والجهة المنتفعة منها. واشتبهت في العمليات التي كان يقوم بها المتهم التونسي لذلك وضعت اسمه ضمن القائمة السوداء للمتعاملين عبر الحوالات الدولية وبالتالي منعت عليه عمليات التداول مما جعله ينتدب شخصين غير معروفين من قبل الشركة الأمريكية (وسترن يونيون) (western union) للقيام بعمليات السحب عوضا عنه للمبالغ التي يرسلها حرفاء افتراضيون وقراصنة أنترنات من كافة أنحاء العالم. التحقيقات توصلت الى ان عناصر الشبكة كانوا على صلة وتعامل منذ سنة 2005 الى تاريخ ايقاف بعض المشتبه بهم من تونس، واتضح انهم تلقوا أموالا طائلة. عمليات الفيشينغ المتهم الأول، اعترف بوقائع القضية وقال انه كان على صلة بمجموعة من «الهاكرز» من جنسيات مختلفة يلتقون يوميا في غرف شبكة «الميرك» (Mirc) الالكترونية المتخصصة في ما يعرف بالدردشة والتي تتضمن عددا من الموزعات التي تخوّل له الدخول الى فضاءات المتاجرة في أرقام البطاقات البنكية و«شيفراتها» ويتم تبادل الهويات الرقمية المسروقة مثل عناوين البريد الالكتروني واسم المستخدم وكلمة المرور وأرقام البطاقات وقال انهم يحصلون على ذلك عبر عمليات الاصطياد او ما يعرف في عالم الانترنات بالفيشينغ (Phishing) او السكايم (Scame). ويجمّع الهاكرز مئات الآلاف من العناوين البريدية الالكترونية ثم يستعملون برنامجا للارسال الجماعي ويحدثون صورا لمواقع أنترنات مختصة في البيع يقومون ببعثها لأصحاب تلك العناوين البريدية فيقوم العديد منهم بتعمير بيانات باستمارات وهمية بروابط تلك المواقع المزيفة التي هي صور لمواقع أصلية مثل مواقع بنوك او مغازات.. ومن خلال ذلك يحصل الهاكرز على بيانات الضحايا ويتم بيعها مقابل مبالغ يتسلمها إما عن طريق الحوالات البريدية الدولية او في حساب افتراضي وقال المتهم الاول انه يتلقى يوميا حوالات تتراوح قيمة الواحدة منها بين 300 و900 دولار أمريكي وأكد ان نشاطه استمر على تلك الوتيرة على مدى خمسة أعوام وهو ما جعل الشركة الأمريكية المختصة في شبكة الحوالات البريدية الدولية تشتبه في امره وتضع اسمه في القائمة السوداء وهي قائمة الممنوعين من تداول تلك الحوالات منذ سنة 2007 فانتدب للغرض المتهمين الثاني والثالث. وداع استرالي يوم 19 ماي الماضي ألقي القبض على المتهمين الثلاثة بعد تلقيهم حوالة بمبلغ ألف دولار أمريكي من هاكرز استرالي يدعى فيليب هارست وحسب التحقيقات فإن احد أهم تجمعات الهاكرز موجودة في دبي بالامارات العربية المتحدة وأبرزهم من جنسيات فلسطينية ويمنية ومن الباكستان وأندونيسيا والكويت ولبنان وأنقلترا ورومانيا وأمريكا واستراليا وصربيا وروسيا وتبيّن بأن موقع النفاذ مقيم في روسيا. كما تبيّن ان عددا من المتهمين كانوا يستعملون برنامجا لتغيير الهويات البروكسي (Proxy) للدخول الى غرف او مواقع نفاذ او للقيام بعمليات القرصنة وكان المتهم التونسي يتنقل بين دمشقودبيوتونس لاتمام صفقات. واعترف المتهم التونسي بأنه كان يحوّل مبالغ مالية بالعملة الصعبة من خارج التراب التونسي الى حسابه الافتراضي لأن البنك المركزي يفرض اجراءات معينة وكان يقوم بعملية التحويل تلك شخص ايطالي يدعى جوفاني كورنتي والذي التقاه في تونس في شهر أفريل من سنة 2009. القرصنة وصناعة البورنوغرافيا ألقى المحققون القبض على ثلاثة متهمين وتمّ حجز جهازي كمبيوتر بمحل المتهم الاول وتم الكشف عن وجود طريقتين لبيع وشراء البطاقات البنكية. الاولى عبر الموزعات البنكية من خلال فضاء افتراضي صالون Salon مختص في التجارة الالكترونية ويجمع عدة أشخاص من جهات متفرقة من كافة انحاء العالم. أما الطريقة الثانية فهي بدخول أحد المواقع المختصة باستعمال تقنية البروكسي وهناك يمكنه الحصول ، بعد التسجيل، على معطيات متعلقة بجميع البطاقات البنكية المسروقة ويتم اختيارها حسب الجنسية أو نوع البطاقة أو اسم البنك، وتبيّن ان التونسي له صفة موزّع أو مدير (Opérateur) بجميع تلك الموزعات (Les serveurs) المعنية بسوق البطاقات البنكية المسروقة. وقد اكتشف المحققون أثناء تفتيشهم للوحدة المركزية لكمبيوتر المتهم الاول وجود أفلام إباحية هو أحد أبطالها وقد تورّطت فيها فتاة تونسية من مواليد 1985 وكشفت عن صناعة «للبورنوغرافيا». وحسب أحد الخبراء الذي قال ل «الشروق» ان بعض الهاكرز يستعملون تلك الأفلام الاباحية لاصطياد الضحايا وذلك بالاعلان عن بيع أفلام جنسية من كافة أنحاء العالم ولمن يرغب في الشراء فما عليه، إلا تعمير استمارة افتراضية ببياناته الشخصية ومن هنا تتم عملية الاصطياد. كما حجز المحققون اضافة الى الأفلام الإباحية برامج وتقنيات اختراق وبرامج تجسس وبرامج محادثات وتبادل معطيات وبرامج تصيّد Phishing وبرامج طمس الهوية الالكترونية بروكسي مع ملفات تتضمن عناوين بنكية وعناوين إلكترونية مصحوبة بكلمات السر واسم المستخدم. تمكن المحققون في هذه القضية من إلقاء القبض على خمسة أشخاص بينهم الفتاة المتورطة في أحد الأفلام الإباحية. لائحة التهم وقوانينها قررت النيابة العمومية إصدار بطاقات إيداع بالسجن ضد اربعة متهمين بينهم فتاة فيما أبقي شقيق المتهم الرئيسي بحالة سراح وتمت إحالتهم من أجل السرقة والتحيّل واستعمال أداة تحويل الكتروني للأموال دون إذن صاحبها وتكوين عصابة ووفاق والانخراط في عصابة ووفاق والمشاركة فيه بقصد ارتكاب اعتداء على الأملاك والمشاركة في ذلك والنفاذ بصفة غير شرعية بجزء من نظام البرمجيات والبيانات المعلوماتية وبالتعامل بين مقيم وغير مقيم دون ترخيص من البنك المركزي التونسي والمشاركة في ذلك وفق الفصول 32 و56 و57 من المجلة الجزائية والفصول 28 و43 و44 من الأمر عدد 608/77 المؤرخ في 27 جويلية 1977 والفصول 32 و35 و36 و37 من القانون عدد 18/76 المؤرخ في 21 جانفي 1976 ووفق الفصول 32 و258 و264 و291 و131 و132 و199 مكرّر من المجلة الجزائية والفصل 18 من القانون عدد 51 لسنة 2005 المؤرخ في 27 جوان 2005. المتهمون مثلوا صباح أمس أمام هيئة الدائرة الجنائية الثانية، التي قرّرت تأخير النظر في القضية الى موعد لاحق.