بيروت (الشروق): من مبعوثنا الخاص: النوري الصّل ضجّة كبيرة أخرى يشهدها لبنان هذه الأيام حيث قدّر لهذا البلد الذي لم تحسم هويته «العربية» إلا في السنوات الأخيرة أن يكون ساحة للتجاذبات والجدالات التي تفوح منها رائحة الطائفية السياسية والتي لم تنجح كل المحاولات الرامية الى إلغائها رغم كل التصريحات والخطابات التي تفيض عن حاجة اللبنانيين ولا تجد من يصدّقها.. هذه المعركة كلامية وال«ضرب تحت الحزام» منذ أيام في لبنان، كما عبّر عنها بعض المراقبين تبدو مرشحة للتصاعد في الفترة القادمة على خلفية الدعوة التي وجهها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي بتشكيل هيئة لإلغاء الطائفية السياسية. ردود الفعل الغاضبة والمشكّكة في النوايا والتوقيت جاءت في غالبيتها من الطرف المسيحي وتحديدا من سمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية الذي لم يتردّد في القول بأن الهدف من وراء هذه الخطوة هو إبعاد النظر عن النقاش الدائر داخل مجلس الوزراء حول البيان الوزاري للحكومة اللبنانية ونقطة الخلاف الجوهرية فيه هي مسألة سلاح حزب اللّه بل إنّ هناك من حذّر من انهيار حكومة الحريري أصلا على خلفية هذا الجدل.. كذلك الكاردينال الماروني مار نصر الله صفير ذهب في نفس الاتجاه وإن كانت ردود الفعل الأخرى داخل الجانب المسيحي بدت حذرة على غرار موقف التيار الوطني الحرّ الذي يتزعمه الجنرال ميشال عون.. الرئيس اللبناني السابق إميل لحود لم يخف هو الآخر في تصريح ل«الشروق» مخاوفه من هذه الخطوة ومن ارتداداتها على المشهد السياسي القائم في لبنان. الرفض المسيحي ينطلق في رأي مراقبين من مخاوف «ديمغرافية» وثمة من يرى بأن التوازن الطائفي في لبنان أصيب باختلالات كبيرة أدّت الى تراجع أعداد المسيحيين والموارنة تحديدا بسبب الهجرة المكثفة التي أعقبت الحرب الأهلية وتقدّم أعداد الشيعة حتى على السنة الذين باتوا الآن في المرتبة الثانية. الكاتب والمحلّل السياسي في صحيفة «النهار» لم يتردد في وصف دعوة نبيه برّي بأنها «هجمة» على مشروع تأليف هيئة تدرس السبل الآيلة الى إلغاء الطائفية السياسية معتبرا أنها تندرج في خانة الاثارة و«افتعال» الحيوية السياسية على حدّ تعبيره. واعتبر أن برّي عندما بثّ الحياة في هذه الفكرة التي كانت مدفونة الى حدّ بعيد في «طيات» اتفاق الطائف يعلم تمام العلم أن البلاد مقبلة على مرحلة سياسية جديدة فيها من روحية الهدوء والاستقرار الشيء الكثير ومنها عناوين التوافق والتفاهم أكثر من عناوين التجاذب. لكن الذين هم على تماس وتواصل مع برّي لا يستبعدون في المطلق أصلا فرضية تبنّاها البعض وجوهرها أنّ برّي الذي يتصدّر بقوة واجهة العمل السياسي منذ عام 1984 في لبنان زعيما سياسيا وشاغلا لكرسي الرئاسة الثانية منذ 18 عاما يريد أن يختم مسيرته السياسية بإنجاز كبير يقارب حدّ اطلاق الفكرة الأكثر صعوبة والأكثر إثارة تجعله في عداد الزعامات التاريخية اللبنانية.. وهم في هذا الاطار يحبّذون أولا إلقاء الضوء على التوقيت الذي اختاره برّي ليدفع الى الواجهة مرة واحدة بهذه الفكرة الشاقة و«الشائقة» والشائكة في آن واحد.. ومع أن برّي نفسه اعتبر أن إلغاء الطائفية بات أمرا ضروريا من أجل التخلّص من هذا «المرض» الذي استفحل في المجتمع اللبناني والذي كانت عواقبه وخيمة وذلك «حتى ينطلق اللبناني في كل المجالات» كما يقول فإن النائب الدرزي وليد جنبلاط رحّب من جهته بهذا الطرح وأرسل أكثر من رسالة جلية وصريحة تؤيد ما يذهب إليه برّي ودافع من حيث المبدإ على شرعية طرح الفكرة على بساط البحث والنقاش مستغربا التعاطي مع مسألة هي على درجة كبيرة من الأهمية بسلبية ومع أن ثمّة من يرى أن الفكرة قد «أحرجت» حليف برّي أي النائب العماد ميشال عون فإن في صف المعارضة من يرى أن هذا الطرح لا يتعارض مع طروحات العماد عون ورؤاه على المدى الزمني البعيد خصوصا وأن عون قارب السياسة وولجها من باب الدعوة الى دولة مدنية تؤسس للاصلاح والتغيير.