وحين يطل المولود الجديد لا تكتمل الفرحة إلا عندما يشارك الآخرون الكاتب فرحته بصدور كتابه... من هم «الآخرون» الذين يهديهم الكاتب كتابه بل نسخا من كتابه؟ الآخرون يشكلون فسيفساء مثلما تختلف نظرة الكاتب تجاه من يهديهم كتابه... بداية هناك كتّاب يُهدون كتبهم لكل من هبّ ودبّ ويُنفقون بسخاء ولا يقتصدون في المديح الذي يغازل النفاق فيسبغون على «المهدَى إليه» صفات قد لا يستحقها فهو «المبدع» و«الأستاذ الكبير» والفاضل و«المتألق على الدوام» الى غير ذلك من الصفات التي شهد عليها ذلك حاتم الطائي! وهؤلاء لا يهمهم المهدى إليه ولا علاقته بالكتاب أو نص الكاتب! وقد حدثني أحد الزملاء عن طرفة حدثت له وهو يتصفح أحد الكتب التي كان يعتزم اشتراءها، ومن غرائب الصدف أن محقق الكتاب كان بالصدفة موجودا داخل المكتبة فأشعره الكتبي بوجوده. سلّم المحقق (محقق الكتاب) على الزميل واقترح عليه إهداء بعدما طلب منه مدّه باسمه الكامل ثم أسبغ عليه من نعمه الظاهرة والباطنة في المدح! وقد علّق الزميل على ذلك بقوله: «لم أعد أثق كثيرا بهذه الاهداءات التي تدخل في باب «النفاق الاجتماعي» وهؤلاء لن يكونوا محل حديثنا! وهناك كتّاب يحترمون كتبهم فلا يهدونها إلا لمن شاركهم همومهم أو اتفق معهم في الرؤيا والرؤية... فتراهم لا يهدون كتبهم دون موجب متجنّبين المجاملة والسقوط في إهانة الكتاب بإهدائه لمن لا يستحق! 3 أصناف وتنقسم الاهداءات الى 3 أنواع: الاول كلاسيكي وصار متداولا بعدما كان مبتكرا: «الى فلان لعلك تجد في هذا الكتاب شيئا من نفسك» وهذا الاهداء للذين لم تتوطد علاقة الكاتب بهم باستثناء قلة مثل آدم فتحي الذي يعني ما يقوله!... الكاتب نفسه يحتفظ بالاهداءات الطريفة والخاصة جدا الى الذين يراهم أهلا لاهدائه وعادة تربطه بهم وشائج فكرية وهذا هو الصنف الثاني أما الصنف الثالث فهو «خاص الخاص» أو «حديث الروح للروح» وهذه الاهداءات تكون مشحونة عادة بذكريات ومفردات فيها الكثير من الحديث عن «المحظور» والمسائل الشخصية «الساخنة» أو كتابه «تفاصيل» الى «الرائع» فلان «هذا شيء من النثر لاعانة العالم على السقوط». الرائع فلان (...) لم يسقط العالم بل أسقط كتاب «تفاصيل» من حساباته ورماه (...) ليلتقطه آخرون وتكون هذه الشهادة!! أما سليم دولة فتظل مفرداته متفردة مثل إهدائه لبعض أصفيائه كتابه «ديلانو» واصفا إياه ب «المتوغّل الحبري على طريقته»! وفي المقابل نجد إهداء يوسف رزوڤة المعروف «إليك صديقا جميلا»! المسكوت عنها! على أن كثيرا من الاهداءات تتضمن نصوصا في ذات العنوان «مثلما فعل الهادي دانيال حين أهدى «كمائن الورد والنبيذ» الى أصدقائه الخلّص متمنيا لهم «أجمل الكمائن»! أو مثلما فعل ناجي الخشناوي في خطوه القط الاسود «بحثا عن خطوات أكثر انسجاما». وتبقى إهداءات سليم دولة والصغير أولاد أحمد الاكثر طرافة فهي نص في حد ذاته! فالصغير أولاد أحمد أهدى مرة أو إهداء محمد الهادي الجزيري الذي يطلب الاذن بأن يقيم كتابه ضمن مكتبة أحد الاصدقاء. أو إهداء غادة السمان «طبعة جديدة عن جرح عربي» أو إهداء أكرم أبو سمرة الذي كان أحد الكتّاب المهتمين في «الشروق» ببطاقته المتميزة «معا في اتساع الرؤيا معا في خلود العبارة»...