عرفت السنوات الأخيرة تسيّبا كبيرا في الدعم المسرحي اذ اصبح أغلب المسرحيين يحصلون على الدعم على مسرحيات لا تتجاوز عروضها شبكة العروض المدعومة التي تدفع ثمنها الوزارة بين 12 و15 عرضا مدعوما. هذه الحالة أساءت كثيرا للمشهد المسرحي واختزلتها في ظاهرة المسرحيات التي لا يشاهدها أحد وبالتالي أصبحت الوزارة هي المنتج والموزّع الوحيد للمسرح التونسي وهي حالة تنذر بمستقبل سيء للمسرح التونسي. مع اقتراب موعد 15 فيفري آخر اجل لتقديم ملفات المشاريع المسرحية للوزارات علمت «الشروق» ان إدارة المسرح ستبدأ في تنفيذ قرارات جديدة او الأصح تفعيل القرارات القديمة التي تمّ اقرارها في التسعينات والتي تحدد شروط الحصول على الدعم ومن أبرز النقاط التي تم التغافل عنها في السنوات الأخيرة هي «العروض الذاتية» التي يقوم بها الهيكل المسرحي خارج شبكة التوزيع الرسمية والتي كانت تفرض على كل هيكل القيام ب 15 عرضا ذاتيا على الأقل للحصول على الدعم وبالتالي لن تتمكّن هياكل الانتاج المسرحي من تقديم ملفات جديدة حتى يفسح المجال للهياكل التي لم تحصل على دعم في سنة 2009. قرار جريء ولكن هذا القرار فيه الكثير من الجرأة وسيكون نقطة أساسية في اعادة ترتيب البيت المسرحي استجابة لطلبات المسرحيين اذ ان «تناسل» الشركات أثّر سلبا على المستوى الفني للمسرح التونسي وأعطى نتائج سلبية عكسية وبالتالي كان لابدّ من وقفة حازمة حتى ينتهي التمعش من الدعم المسرحي.. اذ ان عددا من الأسماء اصبحوا يحصلون على الدعم في كل سنة بل أحيانا في دورتين وهذا شيء غير منطقي ولا معقول لأنه يحرم آخرين من فرص الانتاج والإبداع. لكن هذا القرار لا يمكن ان يغفل عنّا ضرورة تشجيع المندوبيات الجهوية للمسرح التونسي ف 90 بالمائة من العروض التي تقدّم في الجهات هي عروض مدعومة من الوزارة فلا المهرجانات تشتري المسرح التونسي ولا المندوبيات ولا البلديات ولا المؤسسات الاقتصادية بل لا توجد أي جهة تساعد المسرحيين على تنظيم سلاسل عروض باقتناء عرض منها مثلا إن تحمّل نفقات الاقامة أو النقل وكل هذه الأسباب تدفع المسرحيين الى عدم المبادرة الى تنظيم عروض ذاتية بل حتى المسرح الوطني بإدارة محمد ادريس يفضّل غلق قاعة الفن الرابع على فتحها أمام المسرحيين ويشترط مبلغ كراء للعرض الواحد يصل الى حوالي الألف دينار! فكيف وأين سيعرض المسرحيون إذن؟ فتح الملف هذا القرار الذي اتخذته الوزارة يجب ان يكون متبوعا بمجموعة أخرى من الاجراءات التكميلية حتى يكون ناجعا وإيجابيا لأن الوضع الحالي للتوزيع لا يشجّع أحدا على تنظيم عروض فالتلفزة غير معنية بتقديم ومضات اشهارية للمسرحيات التونسية مجانا كما لا تشتري المسرح الا نادرا والمؤسسات الاقتصادية غير معنية بتشجيع المسرح رغم ان كل ما يقدّم للثقافة يسحب آليا من الضرائب، لكل هذه الأسباب لن يغيّر هذا القرار شيئا من واقع المسرح التونسي ما لم تتدخّل وزارة الشباب والرياضة والتربية البدنية بشراء عروض مسرحية وتوزيعها وكذلك وزارة التربية ووزارة التعليم العالي. فلابدّ من تهيئة الارضية الصحية لتوزيع المسرح قبل تطبيق هذا القرار ونعتقد ان السيد عبد الرؤوف الباسطي وزير الثقافة والمحافظة على التراث سيفتح هذا الملف لإنقاذ المسرح التونسي.